الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
84 [ ص: 186 ] الأصل

[ 57 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سفيان، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فقال: ما جاء بك؟ قلت: ابتغاء العلم.

قال: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يطلب.

قلت: إنه حاك في نفسي المسح على الخفين بعد الغائط والبول، وكنت امرءا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتيتك أسألك: هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئا؟

قال: نعم، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفرا أو مسافرين لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم.


التالي السابق


الشرح

عاصم بن بهدلة: هو عاصم بن أبي النجود، أبو بكر الأسدي الكوفي من القراء المعروفين.

سمع: زرا.

وروى عنه: الثوري، وابن عيينة، وشعبة، والحمادان. مات سنة ثمان وعشرين ومائة.

وزر: هو ابن حبيش بن حباشة بن أوس الأسدي الكوفي، أبو مريم أو أبو مطرف، أدرك الجاهلية.

وسمع: عمر، وعليا، وابن مسعود، وأبيا [ ص: 187 ]

وروى عنه: عبدة بن أبي لبابة، وأبو إسحاق الشيباني، وعدي بن ثابت.

مات سنة اثنتين وثمانين، وكان من القراء العباد المعمرين.

ذكر أنه عاش مائة وعشرين سنة، وأن ابن مسعود كان يسأله عن العربية لتبحره فيها.

وصفوان بن عسال المرادي من بني زاهر بن مراد، صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، يقال: إنه غزا معه اثنتي عشرة غزوة، نزل الكوفة.

وروى عنه: عبد الله بن مسعود، وأبو الغريف عبيد الله بن خليفة، وزر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن.

والحديث أصح ما روي في توقيت المسح عند البخاري، كذلك حكاه عنه أبو عيسى الترمذي.

وقول صفوان: إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم ورد برواية أبي الدرداء، وفسر وضعها الأجنحة بأنها تتواضع له وتعظمه، ويدل عليه ما في بعض الروايات: تخفض أجنحتها وهو كقوله [ ص: 188 ] تعالى: واخفض لهما جناح الذل وأيضا بأنها تفرش له الأجنحة لتكون وطاء له، ويدل عليه ما في بعض الروايات: فرشت له الملائكة أكنافها وأيضا بأنها تنزل في مجالس أهل العلم كما روي: ما من قوم يذكرون الله تعالى إلا حفت بهم الملائكة.

وأيضا فإنها تضع الأجنحة بعضها بجنب بعض إظلالا له، كما روي: تظلهم بأجنحتها وروى أحمد بن فارس في بعض أماليه عن مالك أن معناه: تبسط أجنحتها بالدعاء لطالب العلم بدلا عن الأيدي.

وقوله: حاك في بعض الروايات: حك والمعنى: وقع في نفسي منه ريبة وشك، يقال: حاك يحيك إذا تحرك، وحاك في مشيته: إذا تبختر واضطرب منكباه من تبختره، وحاك فيه السيف وأحاك: أثر.

والسفر: المسافرون، كأن بعض الرواة تردد في اللفظين.

وقوله: لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام يعني: بل نمسح عليها؛ لأنه جعله جوابا عن سؤاله عن المسح على الخفين.

وقوله: كان يأمرنا أي: يرخص لنا فيه ويجوز.

وفي الحديث تجويز المسح على الخفين والتوقيت بالمدة المذكورة، وأن الغائط والبول والنوم أحداث، وأنه إذا أجنب لم يجز المسح، وأن الطالب إذا شك في الشيء فحقه أن يراجع أهل العلم.

ويتعلق بالمسح على الخف تخفيفات؛ وهي: إبدال الرجل بالخف والغسل بالمسح والكل بالبعض، وفي التوقيت زيادة التخفيف، وفرق بين المسافر والمقيم في المدة لتفاوتهما في حاجة الاستدامة، وما روي [ ص: 189 ] من ترك التوقيت من الأخبار والآثار وقد ذهب إليها الشافعي في القديم: فمنها ما ضعف أهل الحديث أسانيدها، ومنها ما لم يروها في القوة كأحاديث التوقيت.




الخدمات العلمية