الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
822 [ 574 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا سعيد، عن القاسم بن معن، عن محمد بن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال: سمع سعد بن أبي وقاص بعض بني أخيه وهو يلبي: يا ذا المعارج.

فقال سعد: المعارج إنه لذو المعارج، وما هكذا كنا نلبي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- .

التالي السابق


الشرح

حميد الأعرج: هو حميد بن قيس، أبو صفوان مولى بني أسد بن عبد العزى المكي الأعرج.

سمع: مجاهدا، وعطاء، وسليمان بن عتيق.

وروى عنه: مالك، والثوري، وابن عيينة.

توفي في خلافة أبي العباس .

وحديث مالك عن نافع مودع في "الموطأ" وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم عن يحيى بن يحيى، وأبو داود عن القعنبي، بروايتهم عن مالك، ورواه عن نافع كما رواه مالك : [ ص: 296 ] عبيد الله بن عمر، ومن روايته أخرجه أبو عبد الله ابن ماجه عن علي بن محمد عن أبي معاوية وغيره عن عبيد الله، وأيوب والليث ومن روايتهما أخرجه أبو عيسى الترمذي ، ورواه عن ابن عمر كما رواه نافع: سالم وحمزة ابنا عبد الله بن عمر.

وقول نافع: "وكان عبد الله يزيد فيها: لبيك لبيك ... إلى آخر الكلمات" يسبق إلى الفهم منه أن ابن عمر رضي الله عنه زادها من عند نفسه، وفي جامع أبي عيسى الترمذي ما يصرح بذلك، لكن مسلما روى في الصحيح عن حرملة بن يحيى قال: أبنا ابن وهب، أبنا يونس، عن ابن شهاب، قال: [فإن] سالم بن عبد الله بن عمر أخبرني، عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل ملبدا يقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لا يزيد على هؤلاء الكلمات، وكان عبد الله بن عمر يقول: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يهل بإهلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الكلمات ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك والخير في يديك، لبيك والرغباء إليك والعمل.

وحديث جعفر بن محمد عن أبيه: رواه عنه يحيى بن سعيد وابنه محمد بن جعفر، وأخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن يحيى.

وحديث عبد العزيز، عن عبد الله بن الفضل رواه محمد بن عبد الله بن [ ص: 297 ] عبد الحكم عن ابن وهب عن عبد العزيز، وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد، عن وكيع، عن عبد العزيز.

وحديث حميد عن مجاهد مرسل، ويقرب من مقصوده ما روي عن عكرمة عن ابن عباس; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب بعرفات فلما قال: لبيك اللهم لبيك قال: إن الخير خير الآخرة .

وحديث القاسم بن معن: رواه عنه المعافى بن سليمان أيضا، وفي الباب عن عائشة وابن مسعود، وابن عباس، وأبي هريرة رضي الله عنهم.

والتلبية من لبيك كالتهليل من لا إله إلا الله، ولبيك في أشهر الأقوال مأخوذ من قولهم: ألب بالمكان إذا قام به ولزمه.

ويقال: إن لب لغة فيه، أي: أنا مقيم على طاعتك ملازم لها.

وقيل: إنه من قولهم: دار فلان تلب داري، أي: تحاذيها، والمعنى: أقصدك وأتوجه إليك [ ص: 298 ] .

وقيل: هو من الإلباب: وهو الطاعة والخضوع.

وقيل: من قولهم: امرأة لبة إذا اشتد حبها لولدها، أي: محبتي لك صادقة.

وقيل: هو من لب الطعام ولبابه وهو الخالص منه، أي: إخلاصي لك.

وعلى اختلاف الأقوال كان ينبغي أن يقال: لبا لك أو إلبابا، أي: ألب إلبابا، إلا أنه ثنى على التأكيد والتكرير، كأنه يقول: أقيم إقامة بعد إقامة، كما يقال: حنانيك أي: رحمة بعد رحمة، والنصب على المصدر كما يقال: حمدا لله وشكرا، هذا قول الخليل والأكثرين، وعن يونس أن لبيك ليس تثنية لب; وإنما الكلمة لبى مثل حرى، قلبت ألفه ياء عند الإضافة إلى المضمر كما فعل بإليك وعليك ونحوهما، وأنشد سيبويه محتجا للقول الأول:

دعوت لما نابني مسورا ... فلبي فلبي يدي مسور

ولو كان بمنزلة على وإلى لقال: فلبي يدي كما تقول: على زيد إذا أظهرت الاسم.

وقوله: "وسعديك" أي: ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة.

وقوله: "والرغباء إليك" أي: الطلب والمسألة، والكلمة بفتح الراء والمد، وقد تضم الراء وتقصر، وعن بعض أهل اللغة أن في الكلمة لغة أخرى هي الرغبى على مثال الشكوى.

وقوله: "أهل بالتوحيد" أي: لبى نافيا للشريك على الإطلاق، لا كما كان يفعله أهل الجاهلية فيقولون في تلبيتهم: لا شريك لك إلا كذا.

وقوله: "كأنه أعجبه ما هو فيه فزاد فيها: لبيك إن العيش عيش [ ص: 299 ] الآخرة" يشعر بأن الكلمة معدودة من التلبية ملحقة بلواحقها، وعلى ذلك جرى الأصحاب وقالوا: إذا رأى شيئا يعجبه أتى بهذه الكلمة، وسياق كلام الشافعي رضي الله عنه في الأم يشعر بأنها ليست من لواحق التلبية، لكنه لما لبى أخبر بأن العيش عيش الآخرة وقصد به كف النفس عن الرغبة في الدنيا وحملها على الرغبة في الآخرة، واستحب الشافعي أن لا يزيد على تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويدل عليه خبر سعد حين سمع بعض بني أخيه يقول: يا ذا المعارج ولو زاد زائد شيئا من تعظيم الله تعالى كما فعل ابن عمر رضي الله عنه لم يكره، ويروى في آخر حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي - صلى الله عليه وسلم - يسمع فلا يقول لهم شيئا.




الخدمات العلمية