الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                544 545 ص: وكان مما احتجوا به في ذلك ما حدثنا ربيع المؤذن ، قال: ثنا أسد، قال: نا محمد بن ثابت العبدي .

                                                وحدثنا حسين بن نصر ، وسليمان بن شعيب ، قالا: نا يحيى بن حسان، قال: نا محمد بن ثابت، قال: نا نافع، قال: "انطلقت مع ابن عمر - رضي الله عنه - إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - في حاجة لابن عمر ، فقضى حاجته، فكان من حديثه يومئذ أنه قال: مر رجل على رسول الله - عليه السلام - في سكة من السكك وقد خرج من غائط أو بول، فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام، حتى كاد الرجل أن يتوارى في السكة، فضرب بيديه على الحائط فتيمم لوجهه، ثم ضرب ضربة أخرى فتيمم لذراعيه، قال: ثم رد عليه السلام، وقال: أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني كنت لست بطاهر".

                                                التالي السابق


                                                ش: أي كان من الذي احتج به هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه: بحديث ابن عباس الذي يأتي الآن، وأخرجه من طريقين:

                                                الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن محمد بن ثابت العبدي ، عن نافع .

                                                والثاني: عن حسين بن نصر بن المعارك وسليمان بن شعيب، كلاهما عن يحيى بن حسان التنيسي ، عن محمد بن ثابت ، عن نافع. وهؤلاء كلهم ثقات.

                                                فإن قيل: ابن حزم ضعف هذا الحديث، وقال: محمد بن ثابت العبدي ضعيف لا يحتج بحديثه.

                                                [ ص: 194 ] قلت: لا يلتفت إلى ما قاله؛ لأن النسائي وابن حبان وغيرهما وثقوه ، وروى له أبو داود والنسائي، وإنما ضعفه ابن حزم؛ لأن الحديث حجة عليه؛ لأنه لا يرى إلا أن التيمم ضربة واحدة إلى الكوعين.

                                                والحديث أخرجه الدارقطني في "سننه" : وقال: نا عبد الله [1\ق140- ب] بن محمد بن عبد العزيز إملاء، نا أبو الربيع الزهراني، نا محمد بن ثابت العبدي، نا نافع، قال: "انطلقت مع ابن عمر ... " إلى آخره نحوه سواء.

                                                قوله: "في سكة" بكسر السين، وهي الزقاق، وجمعها سكك، والسكة: الطريقة المصطفة من النخل، والسكة: الحديدة التي يحرث بها، وسكة الدراهم: هي المنقوشة.

                                                قوله: "وقد خرج من غائط" جملة فعلية وقعت حالا والغائط اسم للمكان المطمئن من الأرض الواسع، ثم يكنى به عن الحدث.

                                                والجمع: غوط، وأغواط، وغيطان.

                                                قوله: "أن يتوارى" أي: أن يغيب.

                                                قوله: "أما إنه" بفتح الهمزة والتخفيف، وهي حرف استفتاح بمنزلة: "ألا" هنا، وتكون بمعنى "حقا" وقيل: اسم بمعنى "حقا" والضمير في "إنه" للشأن.

                                                ويستفاد منه أحكام:

                                                الأول: أن من سلم عليه وهو محدث ينبغي له ألا يرد السلام إلا بعد التيمم وإن كان في المصر، على ما ذهب إليه هؤلاء الطائفة، والجواب عنه للجمهور أنه كان من

                                                [ ص: 195 ] النبي - عليه السلام - للفضيلة والاستحباب، وذلك لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى كما جاء في حديث أبي سلمة ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "إن السلام اسم من أسماء الله تعالى فأفشوه بينكم" . ولم ير - عليه السلام - أن يذكر الله في تلك الحالة وهذا هو اللائق بحاله وفعله - عليه السلام -.

                                                والثاني: أن فيه تعليما للأمة ألا يسلموا على الرجل وهو يبول أو يتغوط كما ورد في حديث آخر عن ابن عمر أنه قال: "مر رجل على النبي - عليه السلام - وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه ".

                                                الثالث: يفهم منه أنه رد السلام واجب، وأنه لا يسقط بالتأخير، ولا يأثم به الرجل إذا كان عن عذر.

                                                الرابع: فيه استحباب استعطاف خاطر الرجل إذا توهم منه أنه قد قصر في حقه؛ تطبيبا لخاطره وإبداء عذره إياه.

                                                الخامس: فيه بيان أن التيمم ضربتان، ضربة للوجه، وضربة لليدين.

                                                السادس: فيه بيان أن التيمم يجوز بالحجر والمدر وما كان من أجزاء الأرض.



                                                الخدمات العلمية