الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                619 ص: حدثنا محمد بن النعمان السقطي ، قال: نا الحميدي، قال: نا عبد العزيز بن أبي حازم، قال: نا ابن الهاد ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة، ، عن عائشة -رضي الله عنها-: " أن أم حبيبة بنت جحش ، كانت تحت عبد الرحمن بن عوف ، وأنها استحيضت حتى لا تطهر، فذكر شأنها لرسول الله -عليه السلام- فقال: ليست بالحيضة، ولكنها ركضة من الرحم، لتنظر قدر قرئها الذي تحيض له، فلتترك الصلاة، ثم لتنظر بعد ذلك، فلتغتسل عند كل صلاة وتصلي". .

                                                التالي السابق


                                                ش: رجاله رجال الصحيحين ما خلا محمد بن النعمان بن بشير النيسابوري السقطي نزيل بيت المقدس ، وهو أيضا ثقة مشهور.

                                                والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن أسامة بن عبد الله بن حميد القرشي الأسدي .

                                                وعبد العزيز بن أبي حازم - بالحاء المهملة والزاي المعجمة - واسمه سلمة بن دينار المدني .

                                                وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني .

                                                وعمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية.

                                                [ ص: 306 ] وأم حبيبة بنت جحش هي حمنة بنت جحش الأسدية، وهي أخت زينب بنت جحش زوج النبي -عليه السلام- ولها صحبة.

                                                وأخرجه النسائي: عن الربيع بن سليمان بن داود بن إبراهيم ، عن إسحاق بن بكر، قال: حدثني أبي: عن يزيد بن عبد الله ، عن أبي بكر بن محمد.. إلى آخره، نحوه سواء.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه"، و: "المعرفة": عن أبي سعيد الإسفرايني ، عن أبي بحر البربهاري ، عن بشر بن موسى ، عن الحميدي ... إلى آخره نحوه سواء، وقال في "المعرفة": قال أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه، فيما قرأنا على محمد بن عبد الله الحافظ، عنه، قال بعض مشايخنا: خبر ابن الهاد غير محفوظ.

                                                قال البيهقي: وقد رواه محمد بن إسحاق بن يسار ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة، عن النبي -عليه السلام- قال فيه: "فأمرها بالغسل لكل صلاة" وكذلك رواه سليمان بن كثير عن الزهري - في إحدى الروايات عنه - والصحيح رواية الجمهور عن الزهري، وليس فيه الأمر بالغسل إلا مرة واحدة، ثم كانت تغتسل عند كل صلاة من عند نفسها، وكيف يكون الأمر بالغسل صحيحا عن عروة عن عائشة، وصح عن كل واحد منهما أنه كان يرى عليها الوضوء لكل صلاة؟! وقد روي الأمر بالغسل لكل صلاة من أوجه كلها ضعيفة.

                                                قلت: الطريق المذكور صحيح لا يمكن رميه بالضعف، ولكن الجمهور ما عملوا به؛ لكونه منسوخا على ما يأتي إن شاء الله.

                                                قوله: "وأنها استحيضت" عطف على قوله: " أن أم حبيبة".

                                                قوله: "حتى لا تطهر" بالرفع.

                                                [ ص: 307 ] قوله: "فذكر شأنها" أي: حالها. "ذكر" على صيغة المجهول، وفي رواية البيهقي "فذكرت" أي أم حبيبة.

                                                قوله: "ليست بالحيضة" - بفتح الحاء - المرة الواحدة من دفع الحيض ونوبه، والحيضة - بكسر - الاسم من الحيض، والفرق بينهما بالقرينة من مساق الحديث، وها هنا يحتمل الوجهين، والفتح أظهر.

                                                وفي كتاب "الواعي": الحيض اجتماع دم المرأة، والحيضة والحيضة بفتح الحاء وكسرها، أصلها عند قوم من حضت الماء، أحوضه، حوضا، إذا جمعته، وأحيضه حيضا، فيصبح فيه الواو والياء.

                                                وجمع الحيضة - بالكسر - حيض، وجمع الحيضة - بالفتح - حيضات، والمحيض اسم للحيض.

                                                وقال ابن سيده: حاضت المرأة حيضا ومحيضا وهن حائض وحيض وحوائض، والحيضة: المرة الواحدة، والحيضة: الاسم، وقيل: الحيضة الدم نفسه، والحياض دم الحيضة، قال الفرزدق:


                                                خواق حياضهن يسيل سيلا على الأعقاب تحسبه خضابا



                                                وفي "العباب": حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا، فهي حائض وحائضة أيضا، والحيضة: المرة الواحدة، والحيضة - بالكسر -: الاسم. وكذا قال في "الصحاح" و: "الغريب" ، عن الفراء، وأنشد:


                                                كحائضة يزنى بها [غير] طاهر



                                                [ ص: 308 ] وفي "شرح الفصيح" للتدميري: سمي حيضا على التشبيه بالحيض، وهو ماء أحمر يخرج من شجر السمر فيقال في ذلك: حاضت السمرة، وفي شرحه للهروي: حاضت المرأة وتحيضت، ودرست، وعركت، وطمثت. وقال الأزهري [دم] يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها يخرج من قعره، يقال: حاضت محاضا.

                                                وفي "الغريبين" عن ابن عرفة : هو اجتماع الدم إلى ذلك الموضع، وبه سمي الحوض، لاجتماع الماء فيه.

                                                وقال صاحب "مجمع الغرائب" هذا زلل ظاهر؛ لأن الحوض من الواو، والحيض من الياء، وأيضا فالحائض تسمى حائضا عند سيلان الدم، لا عند اجتماع الدم في رحمها، فإذا أخذ الحوض من الحيض خطأ لفظا، فلست أدري كيف وقع.

                                                قلت: قال الأزهري: ومن هذا قيل للحوض حوض لأن الماء يحيض إليه، أي: يسيل: والعرب تدخل الواو على الياء، والياء على الواو؛ لأنهما من حيز واحد، وهو الهواء.

                                                فعرفت من هذا أن نسبة صاحب "مجمع الغرائب" ابن عرفة إلى الخطأ غير صحيح، غير أنه كان ينبغي أن يقول: وبه سمي الحوض؛ لأن الماء يحيض إليه، كما قاله الأزهري .

                                                وفي "العباب": قال الفراء: حاضت السمرة، إذا سال منها الدودم، وهو شيء كالدم يسيل منها، وحاض وجاض وحاص وحاد بمعنى. وقال القاضي عياض: أصل الحيض السيلان، يقال: حاض الوادي إذا سال. وقال ابن حزم: الحيض هو الدم الأسود الخاثر الكريه الرائحة، وقيل: هو الدم الخارج بنفسه من فرج الممكن حملها، عادة".

                                                [ ص: 309 ] قوله: "ولكنها ركضة" أي: ولكن تلك الحيضة ركضة من الرحم؛ وأصل الركض الضرب بالرجل والإصابة بها، كما تركض الدابة وتصاب بالرجل، والمعنى ها هنا: أن الرحم لما دفعت تلك الحيضة لبست بها على صاحبتها في أمر دينها وطهرها، حتى أنستها عادتها، وصار في التقدير كأنها ركضة من الشيطان، فكأنه قد وجد بذلك طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك عادتها، فصار في التقدير كأنه ركضة.

                                                قوله: "لتنظر" بالجزم.

                                                قوله: "قدر قرئها" أي: قدر حيضها الذي كانت تحيض.




                                                الخدمات العلمية