الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                825 ص: حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا عبد الله بن داود الخريبي ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : " أن عبد الله بن زيد رأى رجلا نزل من السماء عليه ثوبان أخضران أو بردان أخضران فقام على جذم حائط، فأذن: الله أكبر الله أكبر ، على ما ذكرنا في الباب الأول، "ثم قعد، ثم قام فأقام مثل ذلك، فأتى النبي -عليه السلام- فأخبره، فقال: نعم ما رأيت علمها بلالا " .

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا يحيى بن يحيى النيسابوري ، قال: ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال: حدثني أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-: "بأن عبد الله بن زيد الأنصاري -رضي الله عنه- رأى في المنام الأذان، فأتى النبي -عليه السلام- فأخبره، فقال: علمه بلالا ، فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى ، وقعد قعدة" .

                                                [ ص: 38 ] حدثنا فهد ، قال: ثنا علي بن معبد ، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال: حدثنا أصحابنا... فذكر نحوه.

                                                قال: وقال عبد الله : لولا أني أتهم نفسي لظننت أني رأيت ذلك وأنا يقظان غير نائم، وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: وأنا والله لقد طاف بي الذي طاف بعبد الله، فلما رأيته قد سبقني سكت" . ففي هذه الآثار: أن بلالا أذن بتعليم عبد الله بن زيد بأمر النبي -عليه السلام- إياه بذلك وأقام مثنى بخلاف الحديث الأول.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا الحديث بثلاث طرقه الصحاح بيان لقوله: "فقد روي عنه خلاف ذلك" ؛ لأن فيه أنه أذن بإلقاء عبد الله بن زيد عليه بأمر النبي -عليه السلام- إياه بذلك، وفيه "وأقام مثنى" وهذا يخالف ما رواه أنس من أن بلالا أمر أن يشفع بالأذان ويوتر بالإقامة، فحينئذ لا يتم احتجاج أهل المقالتين بحديث أنس كما ذكرناه عن قريب.

                                                ثم إن الطحاوي : أخرج هذا الحديث بعينه بالإسنادين الأولين في باب "الأذان" في بحث الترجيع ولكن في السند الأول زيادة ها هنا، وهي قوله: "ثم قعد ثم قام فأقام مثل ذلك" وفي هذه الزيادة الاحتجاج على الخصم في إفراد الإقامة ، فلذلك كرره ها هنا مع ذكر هذه الزيادة.

                                                وكذلك في السند الثاني زيادة وهي قوله: "وأقام مثنى مثنى وقعد قعدة" وفيهما دلالة صريحة على أن الإقامة مثل الأذان .

                                                وأخرجه ابن حزم وقال: ثنا محمد بن سعيد بن نبات ، نا عبد الله بن نصر ، نا قاسم بن الأصبغ ، نا ابن وضاح ، نا موسى بن معاوية ، نا وكيع ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال: حدثنا أصحاب محمد -عليه السلام-: "أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام فأتى النبي -عليه السلام- فأخبره، قال: "علمه بلالا "، فقام بلالا فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى " ثم قال: هذا إسناد في غاية الصحة

                                                [ ص: 39 ] من إسناد الكوفيين ثم قال: إنما صح أن تثنية الإقامة قد نسخت وإنما هي كانت أول الأمر، والأفضل ما صح من أمر رسول الله -عليه السلام- بلالا بأن يوترها إلا الإقامة، والصحيح الآخر أولى بالأخذ مما لا يبلغ درجته.

                                                قلت: لو كان حديث بلال ناسخا لهذا الحديث لما روي عن بلال بعده: "أنه كان يثني الأذان ويثني الإقامة" . كما رواه عبد الرزاق في "مصنفه" والدارقطني في "سننه" على ما يجيء إن شاء الله تعالى، وكيف يظن ببلال أنه يترك الناسخ ويأتي بالمنسوخ، ولئن سلمنا أن حديثه ناسخ لحديث ابن أبي ليلى ولكن لا نسلم أن حكمه باق؛ لأنه منسوخ أيضا بحديث أبي محذورة لما أن حديثه كان في أول الأمر، وحديث أبي محذورة كان عام حنين كما ذكرناه آنفا.

                                                قوله: "لولا أتهم نفسي" من الاتهام، وهو الريبة، والمعنى: لولا أني أشك في نفسي، وأصل هذا من الوهم وهو الغلط والسهو ومنه التهمة، وأصلها وهمة، فأبدلت الواو تاء.

                                                قوله: "يقظان" بفتح القاف وكسرها.

                                                قوله: "غير نائم" حال أيضا، تأكيد للحالة الأولى.

                                                قوله: "لقد طاف بي" من طاف بالشيء إذا دار حوله. يقال: طفت أطوف طوفا وطوافا.




                                                الخدمات العلمية