الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                845 ص: حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، قال: ثنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " .

                                                قال ابن شهاب : وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت
                                                .

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه، عن الزهري ، عن سالم ، عن النبي -عليه السلام- مثله. ولم يذكر ابن عمر -رضي الله عنهما-.

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا عبد الله بن صالح ، قال: حدثني الليث ، قال: حدثني ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابن عمر ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا يزيد قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن الزهري فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا أبو اليمان ، قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري ، قال: قال سالم بن عبد الله : سمعت عبد الله يقول: إن النبي -عليه السلام- قال: "إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " .

                                                حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي ، قال: ثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال: ثنا وهب بن جرير ، قال: ثنا شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي -عليه السلام- بإسناده مثله.

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه، عن عبد الله بن دينار ... فذكر بإسناده مثله.

                                                [ ص: 64 ] حدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا روح بن عبادة ، قال: ثنا مالك وشعبة ، عن عبد الله بن دينار ، فذكر بإسناد مثله، غير أنه قال: "حتى ينادي بلال أو ابن أم مكتوم " شك شعبة .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه تسع طرق صحاح مرفوعة غير الطريق الثاني فإنه موقوف على ما نذكره الآن.

                                                الأول: عن يزيد بن سنان القزاز البصري ، عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي - شيخ البخاري ومسلم وأبي داود - عن مالك بن أنس ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وهذا على شرط الشيخين.

                                                وأخرجه البخاري عن عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ... إلى آخره نحوه، غير أن لفظه: "إن بلالا يؤذن بليل" .

                                                قوله: "ينادي" أي: يؤذن، و: "الباء" في "بليل" للظرف، واسم ابن أم مكتوم: عبد الله ويقال: عمرو - وهو الأكثر - ابن قيس بن زائدة القرشي العامري ، واسم أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة بن عامر بن مخزوم ، وهو ابن خال خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-، وابن أم مكتوم هاجر إلى المدينة قبل مقدم النبي -عليه السلام-، واستخلفه النبي -عليه السلام- على المدينة ثلاث عشرة مرة، وشهد فتح القادسية وقتل شهيدا بها وكان معه اللواء يومئذ.

                                                وفي صحيح مسلم : "وكان لرسول الله -عليه السلام- مؤذنان بلال وابن أم مكتوم " يعني في وقت واحد وإلا فقد كان له -عليه السلام- غيرهما، أذن له أبو محذورة بمكة ورتبه لأذانها وسعد القرظ أذن للنبي -عليه السلام- بقباء ثلاث مرات.

                                                [ ص: 65 ] قوله: "أصبحت" أي: قاربت الصباح؛ لأن قرب الشيء قد يعبر به عنه.

                                                ويستفاد منه أحكام:

                                                الأول: استدل به قوم على جواز الأذان في الفجر قبل طلوعه على ما يجيء.

                                                الثاني: فيه جواز أذان الأعمى بلا كراهة، وقالت الشافعية : يكره أن يكون الأعمى مؤذنا وحده، وعند مالك لا يكره، وقال أبو عمر : وفيه جواز أذان الأعمى وذلك عند أهل العلم إذا كان معه مؤذن آخر يهديه إلى الأوقات.

                                                وفي "البدائع": البصير أولى من الضرير؛ لأنه لا علم له بدخول الوقت، ومع هذا لو أذن يجوز؛ لحصول الإعلام بصوته، وإمكان الوقوف على المواقيت من غيره في الجملة.

                                                الثالث: فيه جواز اتخاذ المؤذنين وإذا جاز اتخاذ اثنين منهم جاز أكثر من ذلك.

                                                وقال عياض : يؤذنان مجتمعين أو مفترقين إلا في ضيق الوقت فلا بأس بأذانهم مجتمعين.

                                                الرابع: فيه دليل على أن السحور لا يكون إلا قبل الفجر ، لقوله -عليه السلام-: "إن بلالا ينادي بليل فكلوا" ثم منعهم ذلك عند أذان ابن أم مكتوم ، وهذا إجماع لم يخالف فيه إلا الأعمش وحده فشذ ولم يعرج على قوله، والنهار الذي يجب صيامه: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، لا خلاف في ذلك، وعليه إجماع علماء المسلمين.

                                                الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن وهب المصري ، عن مالك ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سالم بن عبد الله بن عمر ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه مالك في "موطئه" عن ابن شهاب ، عن سالم ، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " وكان ابن أم مكتوم رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت. قال أبو عمر هكذا رواه [ ص: 66 ] يحيى مرسلا عن سالم لم يقل فيه: عن أبيه، وتابعه على ذلك أكثر رواة الموطأ، وممن تابعه على ذلك ابن القاسم والشافعي وابن بكير وأبو المصعب وعبد الله بن يوسف التنيسي ومصعب الزبيري ومحمد بن الحسن ومحمد بن المبارك الصوري وسعيد بن عفير ومعن بن عيسى ، ووصله جماعة عن مالك فقالوا فيه: عن سالم ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وممن رواه هكذا مسندا: القعنبي وعبد الرزاق وأبو قرة موسى بن طارق وروح بن عبادة وعبد الله بن نافع ومطرف وابن أبي أويس وعبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن إبراهيم الحنيني ومحمد بن عمر الواقدي وأبو قتادة الحراني ومحمد بن حرب الأبرش وزهير بن عباد وكامل بن طلحة وابن وهب في رواية أحمد بن صالح عنه. وأما أصحاب ابن شهاب فرووه متصلا مسندا عن ابن شهاب .

                                                الثالث: عن يزيد بن سنان القزاز ، عن عبد الله بن صالح - كاتب الليث - عن الليث بن سعد ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن سالم ، عن أبيه عبد الله بن عمر ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه النسائي : ثنا قتيبة ، قال: ثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه، أن النبي -عليه السلام- قال: "إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم " .

                                                الرابع: عن يزيد بن سنان أيضا عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سالم ، عن أبيه عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه الطيالسي في "مسنده": ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن النبي -عليه السلام- قال: "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم . قال: وكان ضريرا فكان يقال له: أذن فقد أصبحت" .

                                                [ ص: 67 ] الخامس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي اليمان الحكم بن نافع البهراني الحمصي شيخ البخاري ، عن شعيب بن أبي حمزة دينار الحمصي ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سالم ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه العدني في "مسنده" عن سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام- قال: "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم " .

                                                السادس: عن الحسن بن عبد الله بن منصور بن حبيب بن إبراهيم الأنطاكي المعروف بالبالسي ، عن محمد بن كثير الثقفي الصنعاني ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سالم ، عن أبيه عن النبي -عليه السلام-.

                                                السابع: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا عفان ، نا شعبة ، قال: عبد الله بن دينار أخبرني، قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " .

                                                الثامن: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ... إلى آخره.

                                                وأخرجه النسائي وقال: أنا قتيبة ، عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " .

                                                التاسع: عن علي بن شيبة بن الصلت ، عن روح بن عبادة القيسي ، عن مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج إلى آخره.

                                                [ ص: 68 ] وأخرج أحمد في "مسنده": عن عفان ، عن شعبة ، عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن بلالا ينادي بليل - أو ابن أم مكتوم ينادي بليل - فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " .




                                                الخدمات العلمية