الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                895 ص: حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، قال: ثنا علي بن عياش ، قال: ثنا شعيب بن أبي حمزة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال: " كان [ ص: 124 ] رسول الله -عليه السلام- إذا سمع المؤذن قال: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة أعط محمدا الوسيلة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته" .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح وعلي بن عياش - بالياء آخر الحروف المشددة والشين المعجمة ابن مسلم الألهاني الحمصي شيخ البخاري .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا علي بن عياش ، ثنا ابن أبي حمزة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة" .

                                                وأخرجه أبو داود : عن أحمد بن حنبل ، عن علي بن عياش نحو رواية البخاري ، غير أن في روايته "إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة" .

                                                وأخرجه الترمذي : عن محمد بن سهل وإبراهيم بن يعقوب ، كلاهما عن علي بن عياش نحو رواية أبي داود .

                                                وأخرجه النسائي : عن عمرو بن منصور ، عن علي بن عياش نحوه إلا أنه ليس في روايته: "يوم القيامة".

                                                وأخرجه ابن ماجه : عن محمد بن يحيى والعباس بن الوليد الدمشقي ومحمد بن أبي الحسين ، كلهم عن علي بن عياش نحو رواية النسائي .

                                                قوله: "اللهم" معناه: يا الله و: "الميم" فيه عوض من "يا" ولذلك لا يجتمعان، فلا يقال: يا اللهم. وهذا بعض خصائص هذا الاسم، كما اختص بالتاء في القسم،

                                                [ ص: 125 ] وبدخول حرف النداء عليه وفيه "لام" التعريف، وبقطع همزته في يا ألله، وبغير ذلك، قاله الزمخشري .

                                                قوله: "رب" منصوب على النداء، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: أنت رب هذه الدعوة، والرب المربي المصلح للشأن، واشتقاقه من الربة وهي نبت يصلح عليه المال يقال: رب يرب ربا وربى يربي تربية، وأصله ربب وهو قول زيد بن علي وسعيد بن أوس . وقال الحسين بن الفضل : هو الثابت لم يزل، من رب بالمكان إذا أقام، وأرض مرب ومرباب دام بها المطر، وفي اللغة الرب: المالك والسيد والصاحب.

                                                وقال الواسطي : هو الخالق ابتداء، والمربي غدا والغافر. انتهى.

                                                وقال الزمخشري : ربه يربه فهو رب كما تقول نم عليه ينم فهو نم، ويجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل، ولم يطلقوا الرب إلا في الله وحده وفي غيره على التقيد بالإضافة كقولهم: رب الدار ورب الناقة، ومعنى "رب هذه الدعوة التامة" أي: صاحب هذه الدعوة، و: "الدعوة" بفتح الدال وكذلك كل شيء دعوته، ويريد بالدعوة التامة التوحيد، وقيل: لها: تامة؛ لأنه لا نقص فيها ولا عيب، وقيل: وصفها بالتمام لأنها ذكر لله ويدعى بها إلى عبادته وذلك الذي يستحق التمام، وقيل: التامة: الكاملة وكمالها أن لا يدخلها نقص ولا عيب كما يدخل في كلام الناس، وقيل: معنى التمام: كونها محمية عن النسخ والإبدال، باقية إلى يوم القيامة، وقد بسطت الكلام فيه في شرحي للكلم الطيب لابن تيمية - رحمه الله -.

                                                قوله: "والصلاة القائمة" أي الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة، وأنها قائمة ما دامت السموات والأرض.

                                                قوله: "الوسيلة" منصوب على المفعولية، وقد مر معناها عن قريب أنها منزلة في الجنة، وقيل: هي الشفاعة يوم القيامة، وقيل: هي القرب من الله تعالى.

                                                [ ص: 126 ] قوله: "المقام المحمود" أي الذي يحمده القائم فيه وكل من رآه وعرفه ، وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات.

                                                وقيل: المراد الشفاعة وهي نوع مما يتناوله، وعن ابن عباس : مقاما يحمدك فيه الأولون والآخرون وتشرف فيه على جميع الخلائق؛ تسأل فتعطى، وتشفع فتشفع، ليس أحد إلا تحت لوائك .

                                                وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -عليه السلام-: "هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي" .

                                                فإن قيل: قد وعده الله تعالى بالمقام المحمود، وهو لا يخلف الميعاد، فما الفائدة في دعاء الأمة بذلك؟

                                                قلت: إما لطلب الدوام والثبات، وإما للإشارة إلى جواز دعاء الشخص لغيره والاستعانة بدعائه في حوائجه ولا سيما من الصالحين.

                                                قوله: "الذي وعدته" بدل من المقام المحمود، أو منصوب بأعني، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وأراد به حكايته لفظ القرآن في قوله تعالى: عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا




                                                الخدمات العلمية