الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                906 ص: حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا إسماعيل بن سالم ، قال: ثنا إسحاق بن يوسف ، عن سفيان الثوري ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام-: "أن رجلا سأله عن وقت الصلاة، فقال: صل معنا . قال: فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام الظهر ثم أمره فأقام العصر والشمس بيضاء نقية مرتفعة، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء [ ص: 159 ] حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما كان في اليوم الثاني أمره فأذن للظهر فأبرد بها فأنعم أن نبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها، ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، فقال: وقت صلاتكم فيما بين ما رأيتم" .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح على شرط مسلم .

                                                وإسماعيل بن سالم الصائغ شيخ مسلم وغيره، وبريدة بن الحصيب - بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين بن عبد الله الأسلمي الصحابي .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني زهير بن حرب وعبد الله بن سعيد ، كلاهما عن الأزرق - قال زهير : ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق - قال: ثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام-: "أن رجلا سأله عن وقت الصلاة، فقال له: صل معنا هذين - يعني اليومين - فلما زالت الشمس أمر بلالا ..." إلى آخره نحوه رواية الطحاوي سواء.

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا أحمد بن منيع والحسن بن الصباح البزار وأحمد بن محمد بن موسى - المعنى واحد - قالوا: أنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن سفيان الثوري ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه قال: "أتى النبي -عليه السلام- رجل فسأله عن مواقيت الصلاة فقال: أقم معنا إن شاء الله، فأمر بلالا فأقام حين طلع الفجر، ثم أمره فأقام حين زالت الشمس فصلى الظهر، ثم أمره فأقام فصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة، ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب الشمس، ثم أمره بالعشاء فأقام حين غاب الشفق، ثم أمره من الغد فنور بالفجر، ثم أمره بالظهر فأبرد وأنعم أن يبرد، ثم أمره بالعصر فأقام والشمس آخر وقتها فوق ما كانت، ثم أمره فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق، ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث [ ص: 160 ] الليل، ثم قال: أين السائل عن مواقيت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا، فقال: مواقيت الصلاة كما بين هذين" .

                                                قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح. قال: وقد رواه شعبة ، عن علقمة ابن مرثد أيضا.

                                                وأخرجه النسائي : أنا عمرو بن هشام ، قال: ثنا مخلد بن يزيد ، عن سفيان الثوري ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه، قال: "جاء رجل إلى النبي -عليه السلام- فسأله عن وقت الصلاة فقال: قم معنا هذين اليومين فأمر بلالا فأقام عند الفجر فصلى الفجر، ثم أمره حين زالت الشمس فصلى الظهر، ثم أمره حين رأى الشمس بيضاء فأقام العصر، ثم أمره حين وقع حاجب الشمس فأقام المغرب، ثم أمره حين غاب الشمس فأقام العشاء، ثم أمره من الغد فنور بالفجر، ثم أبرد بالظهر وأنعم أن يبرد، ثم صلى العصر والشمس بيضاء وأخر عن ذلك، ثم صلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، ثم أمره فأقام العشاء حين ذهب ثلث الليل فصلاها ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ وقت صلاتكم ما بين ما رأيتم" .

                                                قوله: "والشمس بيضاء" جملة حالية، وأراد ببياضها ونقاوتها: قوة نورها، وذلك إنما يكون قبل الاصفرار.

                                                قوله: "فأنعم أن يبرد بها " أراد به أنه أطال الإبراد بها وأخر الصلاة، من قولهم: أنعم النظر في الشيء إذا أطال التفكر فيه.

                                                قوله: "والشمس مرتفعة" جملة حالية أيضا، أراد به قبل الاصفرار أيضا، ولكن أخرها فوق الذي كان في اليوم الأول.

                                                قوله: "وقت صلاتكم" كلام إضافي مبتدأ وخبره قوله: "فيما بين ما رأيتم"، وإنما قال هذا القول لأنه -عليه السلام- بين بفعله أول الأوقات وآخرها ، وبين بقوله: "ما بينهما" ليكون بيانا للجميع بالفعل والقول.

                                                [ ص: 161 ] ويستفاد منه أحكام:

                                                الأول: علم منه جميع الأوقات أولها وآخرها.

                                                الثاني: ذكر بعضهم أن فيه دليلا على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة ؛ لأنه -عليه السلام- أحال ذلك على أن يصلي معه، وقال الباجي : ليس هذا من تأخير البيان الذي يتكلم شيوخنا في جواز تأخيره عن وقت الخطاب بالعبادة إلى وقت الحاجة وهو مذهب الباقلاني والجمهور، ومنعه الأبهري وغيره؛ لأن الخطاب هنا بالصلاة وبيان أحكامها قد تقدم قبل هذا السائل، فلم يسأل إلا عما ثبت بيانه وعرف حكمه، ولا خلاف أن للنبي -عليه السلام- أن يؤخر جواب السائل له عن وقت سؤاله وأن لا يجيبه أصلا، وقد فعل ذلك في مسائل كثيرة، ولا خلاف أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ولم يتكلم الشيوخ في وجه تأخيره -عليه السلام- مع جواز موته قبل التعليم، فقيل: يحتمل أنه أوحي إليه بأن ذلك لا يكون قبل الإعلام؛ لأن العادة غالبا في مثل هذا، وظاهر الأمر حياته هذين اليومين، واستصحاب حال السلامة وفيه حجة على الشافعي في جعله وقت المغرب وقتا واحدا ضيقا مقدار ما يسع فيه أداء ثلاث ركعات؛ لأنه -عليه السلام- صلى المغرب في اليوم الأول حين غابت الشمس، ثم صلاها في اليوم الثاني قبل أن تغيب فالوقت من غروب الشمس إلى غروب الشفق وقت مديد يسع فيه صلوات كثيرة.

                                                ثم اعلم أن الطحاوي أخرج أحاديث هذا الباب عن ستة من الصحابة وهم: ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر بن عبد الله وأبو موسى الأشعري وبريدة بن الحصيب -رضي الله عنهم-.

                                                ولما أخرج الترمذي حديث ابن عباس قال: وفي الباب عن أبي هريرة وبريدة وأبي موسى وأبي مسعود الأنصاري وأبي سعيد وجابر وعمرو بن حزم والبراء وأنس .

                                                قلت: وفي الباب عن عبد الله بن عمر أيضا.

                                                [ ص: 162 ] فحديث أبي مسعود -رضي الله عنه- عند الطبراني في "الكبير" بإسناد لا بأس به: " أن جبريل -عليه السلام - جاء إلى النبي -عليه السلام- حين دلكت الشمس فقال: يا محمد صل العصر، فقام وصلى، ثم أتاه جبريل حين غربت الشمس فقال: يا محمد صل المغرب، فصلى، ثم أتاه جبريل حين غاب الشفق وقال: يا محمد قم فصل العشاء، فقام فصلى، ثم أتاه حين انشق الفجر فقال: يا محمد قم فصل الصبح فقام فصلى ثم أتاه الغد وظل كل شيء مثله فقال: يا محمد قم فصل الظهر، فقام فصلى الظهر، ثم أتاه حين كان ظل كل شيء مثليه فقال: يا محمد صل العصر، فقام فصلى، ثم أتاه حين غربت الشمس وقتا واحدا فقال: يا محمد صل المغرب، فقام وصلى، ثم أتاه حين ذهب ساعة من الليل فقال: يا محمد قم فصل، ثم أتاه حين أسفر فقال: يا محمد صل الصبح فقام فصلى ثم قال: ما بين هذين وقت" .

                                                وأخرجه إسحاق بن راهويه أيضا في "مسنده".

                                                وحديث عمرو بن حزم عند عبد الرزاق في "مصنفه": عن معمر ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه: " أن جبريل -عليه السلام - نزل فصلى بالنبي -عليه السلام- صلاة الظهر - وصلى النبي -عليه السلام- بالناس - حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس، ثم صلى العشاء بعد ذلك كأنه يريد ذهاب الشفق، ثم صلى الفجر بغلس حين فجر الفجر.

                                                قال: ثم نزل جبريل -عليه السلام - الغد فصلى بالنبي -عليه السلام- وصلى النبي -عليه السلام- بالناس الظهر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب حين غابت الشمس لوقت واحد، ثم صلى العشاء بعد ما ذهب [ ص: 163 ] هوي من الليل، ثم صلى الفجر بعد ما أسفر بها جدا، ثم قال: فيما بين هذين [الوقتين وقت]"
                                                .

                                                وحديث البراء عند أبي يعلى الموصلي في "مسنده" بإسناده عن البراء بن عازب قال: "جاء رجل إلى النبي -عليه السلام- يسأله عن مواقيت الصلاة فأمر بلالا فقدم وأخر، وقال: الوقت ما بينهما".

                                                وحديث أنس -رضي الله عنه- عند الدارقطني في "سننه": ثنا أبو طالب أحمد بن نصر بن طالب ، ثنا أبو حمزة إدريس بن يونس بن يناق الفراء ، ثنا محمد بن سعيد بن جدار ، ثنا جرير بن حازم ، عن قتادة ، عن أنس -رضي الله عنه-:
                                                "أن جبريل -عليه السلام - أتى النبي -عليه السلام- بمكة حين زالت الشمس فأمره أن يؤذن للناس بالصلاة حين فرضت عليهم، فقام جبريل أمام النبي -عليه السلام- وقام الناس خلف رسول الله -عليه السلام- قال: فصلى أربع ركعات لا يجهر فيها بقراءة، يأتم الناس برسول الله -عليه السلام- ويأتم رسول الله -عليه السلام- بجبريل ، ثم أمهل حتى إذا دخل وقت العصر صلى بهم أربع ركعات لا يجهر فيهما بالقراءة، يأتم المسلمون برسول الله -عليه السلام- ويأتم رسول الله -عليه السلام- بجبريل -عليه السلام- ، ثم أمهل حتى إذا وجبت الشمس صلى بهم ثلاث ركعات يجهر في ركعتين بالقراءة ولا يجهر في الثالثة، ثم أمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل صلى بهم أربع ركعات يجهر في الأوليين بالقراءة ولا يجهر في الآخرين بالقراءة، ثم أمهل حتى إذا طلع الفجر صلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة".

                                                وحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عند الدارقطني أيضا: ثنا ابن الصواف ، نا الحسين بن فهر بن حماد البزاز ، ثنا الحسن بن حماد سجادة ، ثنا ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، عن عتبة بن مسلم ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: "لما فرضت [ ص: 164 ] الصلاة نزل جبريل -عليه السلام - على النبي -عليه السلام- فصلى به الظهر - وذكر المواقيت وقال -: فصلى به المغرب حين غابت الشمس، وقال في اليوم الثاني: فصلى به المغرب حين غابت الشمس" .




                                                الخدمات العلمية