الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2339 ص: وكان من حجة من ذهب إلى أن آخر وقتها إلى أن تتغير الشمس : ما قد روي عن النبي -عليه السلام- من نهيه عن الصلاة عند غروب الشمس، فمن ذلك:

                                                ما قد حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: ثنا علي بن معبد ، قال: ثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر قال: قال لي عبد الله -رضي الله عنه-: "كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار" .

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا حبان بن هلال ، قال ثنا همام ، عن قتادة ، عن محمد - قال أبو جعفر - رحمه الله -: محمد هو بن سعد بن أبي وقاص - عن زيد بن ثابت : "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصلاة إذا طلع قرن الشمس، أو غاب قرن الشمس" .

                                                حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال: ثنا أبو عامر العقدي ، قال: ثنا موسى بن علي بن رباح اللخمي ، عن أبيه، عن عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- قال: "ثلاث ساعات كان النبي -عليه السلام- ينهانا أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا: حين تطلع [ ص: 187 ] الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب" .

                                                حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا أبو مصعب ، قال: ثنا الدراوردي ، عن هشام بن عروة ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه، عن النبي -عليه السلام- قال: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، وإذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب" .

                                                حدثنا محمد بن عمر بن يونس ، قال: ثنا عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن ابن عمر -رضي الله عنهم-، عن رسول الله -عليه السلام-... مثله.

                                                حدثنا يونس ، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله -عليه السلام- قال: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها" .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا معلى بن أسد ، قال: ثنا وهيب ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "وهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، إنما نهى رسول الله -عليه السلام- أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها" .

                                                حدثنا بحر بن نصر ، قال: ثنا عبد الله بن وهب ، قال: أخبرني معاوية بن صالح ، قال: حدثني أبو يحيى وضمرة بن حبيب وأبو طلحة ، عن أبي أمامة الباهلي ، قال: حدثني عمرو بن عبسة -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا طلعت الشمس فإنها تطلع بين قرني الشيطان، وهي ساعة صلاة الكفار، فدع الصلاة حتى ترتفع ويذهب شعاعها، ثم الصلاة محضورة مشهودة إلى أن ينتصف النهار، فإنها ساعة تفتح أبواب جهنم وتسجر، فدع الصلاة حتى يفيء الفيء، ثم الصلاة محضورة مشهودة إلى غروب الشمس فإنها تغرب بين قرني الشيطان، وهي ساعة صلاة الكفار" .

                                                حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق ، قالا: ثنا وهب ، قال: ثنا شعبة ، عن سماك بن [ ص: 188 ] حرب ، قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة يحدث، عن سمرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصلوا عند طلوع الشمس ولا عند غروبها؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان - أو على قرني شيطان - وتغرب بين قرني شيطان - أو على قرني شيطان" .

                                                قالوا: فلما نهى النبي -عليه السلام- عن الصلاة عند غروب الشمس؛ ثبت أنه ليس بوقت صلاة، وأن وقت العصر يخرج بدخولها.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بقوله: "من ذهب...". إلى آخره: الشافعي - في قول - وأحمد - في الصحيح عنه - ومالكا - في المشهور عنه - وجمهور أصحابه، والحسن بن زياد - من أصحاب أبي حنيفة - وإسحاق وداود ؛ فإنهم ذهبوا إلى أن آخر وقت العصر إلى تغير الشمس ، واختاره الطحاوي أيضا على ما يفهم من كلامه، واحتجوا في ذلك بما روي عن عبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر وعائشة أم المؤمنين وعمرو بن عبسة وسمرة بن جندب -رضي الله عنهم- فإنهم رووا عن النبي -عليه السلام- أنه نهى عن الصلاة عند غروب الشمس، فدل ذلك أن وقت التغير ليس بوقت للعصر، وأن آخر وقته إلى أن تتغير الشمس.

                                                أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه بإسناد جيد حسن: عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن علي بن معبد بن شداد العبدي ، عن أبي بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي الحناط - بالنون - عن عاصم بن بهدلة أبي بكر المقرئ ، عن زر بن حبيش الأسدي الكوفي ، عن عبد الله بن مسعود .

                                                وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا أبو بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبد الله قال: "إن الشمس تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، قال: فكنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها" .

                                                قوله: "كنا ننهى" على صيغة المجهول، وهو محمول عند أكثر أهل العلم على أنه [ ص: 189 ] نهي الرسول -عليه السلام- فكذا قول الصحابي: "أمرنا بكذا" محمول على أنه أمر لله ورسوله، وقال قوم: يجب فيه الوقف؛ لأنه لا يؤمن أن يعني بذلك أمر الأئمة والعلماء، والأول أقرب إلى الصواب، وفيه دليل على أن وقت الغروب ووقت الطلوع ليسا بأوقات للصلاة؛ إذ لو كانت أوقاتا لما نهى النبي -عليه السلام- عن الصلاة فيها.

                                                وأما حديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه- فأخرجه أيضا بإسناد صحيح: عن يزيد بن سنان القزاز البصري ، عن حبان - بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة - بن هلال الباهلي البصري ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني ، وقد بين الطحاوي أن المراد من محمد الذي يروي عنه قتادة هو ابن سعد بن أبي وقاص ، وقد وقع في بعض النسخ: عن قتادة ، عن محمد ، عن زيد بن ثابت ، فإن صح هذا يكون المراد منه محمد بن سيرين .

                                                كما هو كذلك في "مسند أحمد بن حنبل ": حيث قال: حدثنا عفان ، نا همام ، نا قتادة ، عن ابن سيرين ، عن زيد بن ثابت : "أن النبي -عليه السلام- نهى أن يصلى إذا طلع قرن الشمس أو غاب قرنها وقال: إنها تطلع بين قرني شيطان أو من بين قرني الشيطان" .

                                                قوله: "إذا طلع قرن الشمس" أي: جانبها وطرفها، وقرن الشيء: ناحيته.

                                                وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه أيضا بإسناد صحيح: عن ابن مرزوق ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، عن موسى بن علي - بضم العين وفتح اللام - بن رباح اللخمي ، عن أبيه علي بن رباح بن قصير اللخمي ، عن عقبة بن عامر الجهني .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا يحيى بن يحيى ، ثنا عبد الله بن وهب ، عن موسى بن علي ، عن أبيه، قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني -رضي الله عنه- يقول: "ثلاث ساعات [ ص: 190 ] كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب" .

                                                وأخرجه الأربعة أيضا.

                                                قوله: "أن نصلي فيها" عام يتناول جميع الصلوات، على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

                                                قوله: "وأن نقبر فيها موتانا" أي: وأن ندفن فيها موتانا، هذا ظاهر المعنى ولكنه ليس بمراد؛ إذ المراد: وأن نصلي عليها للإقبار، على ما يجيء، وهو من قبر يقبر من باب نصر ينصر، تقول: قبرته إذا دفنته وأقبرته إذا جعلت له قبرا.

                                                قوله: "بازغة" نصب على الحال عن الشمس، من بزغت الشمس وبزغ القمر وغيرهما إذا طلع، من باب نصر ينصر.

                                                قوله: "قائم الظهيرة" ظهيرة الشمس شدة حرها نصف النهار، ولا يقال في الشتاء ظهيرة، وتجمع على الظهائر، ومراده: حين يقف الظل، وهو القائم بالظهيرة ولا يظهر له زيادة ولا نقص؛ لأنه قد انتهى نقصه.

                                                و: "حين تضيف" أي تميل وتجنح للغروب، يقال: ضاف الشيء يضيف بمعنى مال، ومنه اشتق اسم الضيف، ويقال: ضفت الرجل إذا ملت نحوه وكنت له ضيفا، وأضفته إذا أملته إلى رحلك وقربته.

                                                قوله: "تضيف" أصله تتضيف بتاءين، فحذفت إحداهما للتخفيف كما في قوله تعالى: نارا تلظى أصله تتلظى.

                                                [ ص: 191 ] ويستفاد منه أحكام:

                                                الأول: استدل به أصحابنا أن جميع الصلوات فرضها قضاء، وأداء نفلها يكره في هذه الأوقات الثلاثة؛ لعموم قوله -عليه السلام- "أن نصلي فيها" وهو بإطلاقه حجة على الشافعي في تخصيص الفرائض وبمكة وحجة على أبي يوسف في إباحة النفل يوم الجمعة وقت الزوال.

                                                وفي "الروضة" للنووي : يجوز في هذه الأوقات قضاء الفرائض والسنن والنوافل التي اتخذها الإنسان وردا له، وتجوز صلاة الجنازة، وسجود التلاوة، وسجود الشكر، وركعتا الطواف، وصلاة الكسوف، ولا يكره فيها صلاة الاستسقاء على الأصح، وعلى الثاني تكره كصلاة الاستخارة وتكره ركعتا الإحرام على الصحيح، فأما تحية المسجد فإن اتفق دخوله لغرض كدرس علم أو اعتكاف أو انتظار صلاة ونحو ذلك لم تكره، وإن دخل لا لحاجة بل ليصلي التحية فوجهان أقيسهما الكراهة انتهى.

                                                وبقوله قال أحمد وبقولهما قال مالك ، وقال القاضي عياض : وأما الفرائض فلا خلاف في قضاء فرض يومه ومنسيته في هذين الوقتين ما لم تطلع الشمس [أو] تغرب، فإذا طلعت أو غربت فلا خلاف في قضاء فرض يومه مع طلوعها وغروبها إلا شيء روي عن أبي حنيفة ؛ أنه لا يقضي صلاة صبح يومه مع طلوعها وأنها إن طلعت وقد عقد ركعة فسدت عليه، ولا نقوله في الغروب؛ لجواز الصلاة بعد الغروب، وأما منسي غير يومه فجمهور العلماء على صلاتها حينئذ، إلا أن أبا حنيفة لا يجيز قضاءها في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وحمل اللفظ على العموم انتهى.

                                                ثم إنه إذا صلى النوافل في هذه الأوقات تجوز؛ لأنه أدى كما وجبت؛ لأن النفل يجب بالشروع، وشروعه حصل في الوقت المكروه.

                                                [ ص: 192 ] وقال الكرخي : يجوز وأحب إلينا أن يعيده. وقال: الأفضل له أن يقطع ويقضيها في الوقت المباح.

                                                فإن قيل: ما الفرق أن الفرائض لا تجوز فيها أصلا والنوافل تجوز بالكراهة ؟

                                                قلت: لأن الصلاة مشروعة بأصلها؛ لوجود أركانها وشرائطها، ولا قبح في أصلها لأنها تعظيم محض لله تعالى والأوقات أيضا صحيحة بأصلها كسائر الأوقات، ولكن من حيث إنها أوقات فاسدة بوصفها؛ لانتسابها إلى الشيطان صارت الصلاة فلم يسقط فيها ومنها الكامل وهو الفرض بخلاف النفل؛ لأنه أداه كما شرع لكن مع الكراهة لورود النهي.

                                                الثاني: يستفاد منه كراهة الصلاة على الجنازة في هذه الأوقات ؛ لأن المراد من قوله "وأن نقبر فيها موتانا" أن يصلي عليهم لأجل الإقبار في هذه الأوقات لأن الدفن فيها غير مكروهة.

                                                واختلف العلماء فيه وفي الصلاة على الجنازة، فذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة الصلاة على الجنازة في الأوقات المكروهة ، وروي ذلك عن ابن عمر ، وهو قول عطاء والنخعي والأوزاعي والثوري ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق ومالك ، وفي "الجواهر" للمالكية : ولا يجوز فعلها؛ أي فعل الصلاة على الجنازة في وقتي الإسفار والاصفرار، هذا ما لم يخش تغيير الميت، فإذا خشي يصلي عليه في جميع الأوقات انتهى.

                                                وعند الشافعي لا تكره الصلاة على الجنازة أي ساعة شاء من ليل أو نهار، وكذلك الدفن أي وقت كان من ليل أو نهار، وقول الجماعة أولى؛ لموافقة الحديث.

                                                وقال عياض في قوله "فيها موتانا": يحتمل أن المراد بذلك الصلاة عليها حينئذ، ويحتمل أن يكون على ظاهره من الدفن انتهى.

                                                فإن قيل: إذا كان المراد من قوله: "وأن نقبر فيها موتانا": أن نصلي عليها في هذه الأوقات، فمن أي قبيل يكون هذا الكلام؟

                                                [ ص: 193 ] قلت: هو كناية؛ لأنه ذكر الرديف وأريد المردوف، وقال ابن حزم : ولا يحل دفن الموتى في هذه الساعات، وأما الصلاة عليهم فجائزة فيها للأثر بذلك عموما.

                                                الثالث: أن قوله -عليه السلام-: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها" يعارض هذا الحديث، بيانه: أن هذا نقيض أن تكون هذه الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها وقتا للقضاء حين ذكر الغاية بقوله: "فإن ذلك وقتها "ويعارضه أيضا قوله -عليه السلام-: "من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الفجر" .

                                                بيانه: أن هذا يقتضي أنه لو شرع في صلاة الفجر وطلعت الشمس في خلالها أن لا تفسد صلاته كما ذهب إليه الشافعي .

                                                الجواب عن الأول: أنه مخصوص بحديث عقبة ، والدليل عليه ما روى أبو هريرة : "أن رسول الله -عليه السلام- حين قفل من غزوة حنين فسار ليلة..." الحديث وفيه: "فناموا فما أيقظهم إلا حر الشمس" . وفي رواية: "انتبهوا وقد بدا حاجب الشمس فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم نزلوا للصلاة" . وإنما فعل ذلك لترتفع الشمس، فلو جاز قضاء المكتوبة في حال طلوع الشمس لما أخرها رسول الله -عليه السلام- بعد الانتباه.

                                                والجواب عن الثاني: أنه لبيان الوجوب بإدراك جزء من الوقت - قل أو كثر - كما ذكرنا فيما مضى.

                                                الرابع: أن حد الارتفاع الذي تباح فيه الصلاة قدر رمح أو رمحين، وقال أبو بكر محمد بن الفضل : مادام الإنسان يقدر على النظر إلى قرص الشمس فالشمس في الطلوع لا تباح فيه الصلاة، فإذا عجز عن النظر يباح.

                                                وقال الفقيه أبو حفص : يؤتى بطست ويوضع في أرض مستوية فما دامت الشمس تقع في حيطانه فهي في الطلوع فلا تحل الصلاة، وإذا وقعت في وسطه فقد طلعت وحلت صلاته.

                                                وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:

                                                [ ص: 194 ] الأول: عن روح بن الفرج القطان المصري ، عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر واسمه القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني قاضي مدينة رسول الله -عليه السلام- شيخ الجماعة سوى النسائي .

                                                عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي منسوب إلى دراورد - بفتح الدال - قرية بخراسان .

                                                عن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام .

                                                عن سالم بن عبد الله .

                                                عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم-.

                                                وأخرجه البخاري : ثنا مسدد ، قال: ثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام ، عن أبيه قال: أخبرني ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها" .

                                                وقال: حدثني ابن عمر قال: قال: رسول الله -عليه السلام-: "إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب" . تابعه عبدة .

                                                الثاني: عن محمد بن عمرو بن يونس التغلبي السوسي ، عن عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام ، عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله -عليه السلام-.

                                                وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا وكيع ، وثنا ابن نمير ، قال: ثنا أبي، وثنا ابن بشر قالوا جميعا: ثنا هشام ، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغيب" .

                                                [ ص: 195 ] وأخرجه أحمد في "مسنده": عن يحيى بن سعيد ، عن هشام ، نحوه.

                                                وأخرج: عن وكيع ، نا هشام ، عن أبيه، عن ابن عمر ، قال: قال رسول الله: "لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان" .

                                                الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن نافع ... إلى آخره.

                                                وأخرجه البخاري : عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك نحوه.

                                                ومسلم : عن يحيى بن يحيى ، عن مالك نحوه.

                                                وأحمد في "مسنده": عن عبد الرزاق ، عن مالك ، عن نافع ، نحوه.

                                                قوله: "لا تحروا" أي: لا توخوا أو لا تعمدوا ولا تطلبوا، من التحري في الأشياء وهو القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول. وقال الجوهري : التحري في الأشياء: طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظن، وفلان يتحرى الأمر أي يتوخاه ويقصده، وتحرى فلانا بالمكان: أي تمكث، وقوله: فأولئك تحروا رشدا أي توخوا وعمدوا.

                                                قوله: "طلوع الشمس" مفعول "لا تحروا" والمعنى: لا تتحروا وقت طلوع الشمس بسبب صلاتكم، أي لأجلها، و: "الباء" فيها كالباء في قوله: إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا وقوله: وليست هي صلة "لا تحروا" لأنها تحتاج إلى فافهم.

                                                [ ص: 196 ] قوله: "وإذا بدا" أي ظهر "حاجب الشمس" أي ناحيتها.

                                                قوله: "حتى تبرز" أي تظهر، من البروز وهو الظهور، ومعناه حتى ترتفع كما قد وقع هكذا في رواية البخاري .

                                                وأما حديث عائشة -رضي الله عنها- فأخرجه أيضا بإسناد صحيح: عن محمد بن خزيمة بن راشد ، عن معلى بن أسد العمي أحد مشايخ البخاري ، عن وهيب بن خالد العجلاني البصري ، عن عبد الله بن طاوس ، عن أبيه طاوس بن كيسان اليماني ، عن عائشة .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا محمد بن حاتم ، قال: ثنا بهز بن راشد ، قال: ثنا وهيب ، قال: ثنا عبد الله بن طاوس ، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: "وهم عمر -رضي الله عنه- إنما نهى رسول الله -عليه السلام- أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها" .

                                                وأخرجه النسائي : أنا محمد بن عبد الله بن المبارك ، قال: ثنا الفضل بن عنبسة ، قال: ثنا وهيب ، عن ابن طاوس ، عن أبيه قال: قالت عائشة : "أوهم عمر -رضي الله عنه- إنما نهى رسول الله -عليه السلام- (قال: لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان)" .

                                                قولها: "وهم عمر " من الوهم وهو الغلط، من وهمت في الحساب - بالكسر - أوهم وهما إذا غلطت فيه وسهوت، ووهمت في الشيء - بالفتح - أهم وهما إذا يقال أوهم من وأهم في، وتوهمت: أي ظننت، وأوهمت الشيء: إذا تركته كله.

                                                يقال أوهم من الحساب مائة أي أسقط، وأوهم من صلاته ركعة، ثم قول عائشة من الوهم الذي يعني الغلط وهم بالكسر يوهم كما ذكرنا.

                                                [ ص: 197 ] وفي رواية النسائي : "أوهم عمر " كما ذكرناها إما من أوهمت الشيء أو من وهمت، وإنما قالت عائشة ذلك لما روته من صلاة النبي -عليه السلام- الركعتين بعد العصر، وقد أخبرت بعلة ذلك وردت الأمر فيها أيضا إلى أم سلمة وهي التي سألت عن القصة والعلة في صلاتها على ما يجيء بيانه إن شاء الله تعالى".

                                                فإن قيل ما قال عمر -رضي الله عنه- حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: وهم عمر ؟

                                                قلت: قال: "إن رسول الله -عليه السلام- قال: "لا صلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس - أو تطلع - وبعد العصر حتى تغرب الشمس، فلما سمعت عائشة بذلك قالت: وهم عمر -رضي الله عنه- إنما نهى رسول الله -عليه السلام- أن يتحرى طلوع الشمس أو غروبها " إنما قالت ذلك لما روته هي من صلاة النبي -عليه السلام- الركعتين بعد العصر كما ذكرنا، وبهذا تمسكت الشافعية أن الصلاة التي لها سبب لا تكره بعد العصر، وكذا يقتضي السنة التي بعد الظهر إذا فاتت تقضى بعد العصر.

                                                والجواب عن ذلك أن صلاته -عليه السلام- الركعتين بعد العصر كان خاصا بالنبي -عليه السلام- على ما يجيء الكلام فيه مستقصى إن شاء الله تعالى.

                                                وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه أيضا بإسناد صحيح ورواة ثقات: عن بحر بن نصر بن سابق الخولاني ، عن عبد الله بن وهب المصري ، عن معاوية بن صالح بن حدير الحضرمي الحمصي قاضي الأندلس ، عن أبي يحيى سليم بن عامر الكلاعي الحمصي ، وعن ضمرة بن حبيب بن صهيب الزبيدي الشامي الحمصي ، وعن أبي طلحة نعيم بن زياد الشامي ، ثلاثتهم عن أبي أمامة الباهلي الصحابي واسمه صدي بن عجلان ، عن عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد السلمي الصحابي ، وعبسة بفتح العين والباء الموحدة والسين المهملة.

                                                وأخرجه أبو داود بأتم منه: ثنا الربيع بن نافع ، نا محمد بن مهاجر ، عن العباس بن سالم ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة ، عن عمرو بن عبسة السلمي ؟ أنه

                                                [ ص: 198 ] قال: "قلت: يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى تصلي الصبح، ثم أقصر حتى تطلع الشمس فترتفع قيس رمح أو رمحين؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان وتصلي لها الكفار، ثم صل ما شئت فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله، ثم أقصر؛ فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها، فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت حتى تصلي العصر ثم أقصر حتى تغرب الشمس؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان، وتصلي لها الكفار". وقص حديثا طويلا قال العباس : "هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة إلا أن أخطئ شيئا لا أريده فأستغفر الله وأتوب إليه" .

                                                وأخرجه النسائي : أخبرني الحسن بن إسماعيل بن سليمان وأيوب بن محمد ، قالا: ثنا حجاج بن محمد - قال أيوب : حدثنا، وقال حسين -: أخبرني شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن يزيد بن طلق ، عن عبد الرحمن البيلماني ، عن عمرو بن عبسة قال: "أتيت النبي -عليه السلام- فقلت: يا رسول الله، من أسلم معك؟ قال: حر وعبد، قلت: هل من ساعة أقرب إلى الله - عز وجل - من أخرى؟ قال: نعم، جوف الليل الآخر، فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح، ثم انته حتى تطلع الشمس وما دامت – وقال أيوب : فما دامت - كأنها جحفة حتى تنتشر، ثم صل ما بدا لك حتى [يقوم العمود على ظله، ثم انته حتى تنعقد الشمس؛ فإن جهنم تسجر نصف النهار صل ما بدا لك حتى] تصلي العصر، ثم انته حتى تغرب الشمس؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان، وتطلع بين قرني شيطان" .

                                                قوله: "فإنها تطلع بين قرني شيطان" اختلفوا فيه على وجوه، فقيل: معناه مقارنة الشيطان الشمس عند دنوها للطلوع والغروب، على معنى ما روي أن الشيطان يقارنها إذا طلعت فإذا ارتفعت فارقها، وإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها، فإذا [ ص: 199 ] دنت للغروب قارنها، فإذا غربت فارقها فحرمت الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة لذلك.

                                                وقيل: قرنه: قوته، من قولك: أنا مقرن لهذا الأمر أي مطيق له قوي عليه، وذلك لأن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات؛ لأنه يسول لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات.

                                                وقيل: قرنه: حزبه وأصحابه الذين يعبدون الشمس، يقال: هؤلاء قرن: أي نشء جاءوا بعد قرن مضى، وقيل: إن هذا تمثيل وتشبيه، وذلك أن تأخير الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان لهم وتشويقه وتزيينه ذلك في قلوبهم، وذوات القرون إنما تعالج الأشياء وتدفعها بقرونها، فكأنهم لما دافعوها وأخروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم حتى اصفرت الشمس؛ صار ذلك منه بمنزلة ما تعالجه ذوات القرون بقرونها ويدفعه (بأرواقها).

                                                وفيه وجه آخر: وهو أن الشيطان يقابل الشمس حين طلوعها وينتصب دونها حتى يكون طلوعها بين قرنيه وهما جانبا رأسه، فينقلب سجود الكفار للشمس عبادة له، وقرنا الرأس فوداه وجانباه، ومنه سمي ذو القرنين ؛ وذلك لأنه ضرب على جانبي رأسه فلقب به والله أعلم.

                                                قلت: يمكن حمل الكلام على حقيقته ويكون المراد: أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها؛ لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، ويخيل لنفسه وأعوانه إنما يسجدون له فيكون له ولشيعته تسلط.

                                                قوله: "وهي ساعة صلاة الكفار" أي ساعة طلوع الشمس هي الساعة التي يصلي الكفار فيها نحو الشمس.

                                                [ ص: 200 ] قوله: "فدع" أي اترك الصلاة حتى ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين كما حدوا الارتفاع به في رواية أبي داود .

                                                قوله: "ويذهب شعاعها" شعاع الشمس: ما يرى من ضوئها عند ذرورها كالقضبان.

                                                قوله: "ثم الصلاة محضورة" يعني تحضرها الملائكة وتشهدها.

                                                قوله: "وتسجر" أي: توقد، واختلف في جهنم، إنه اسم عربي أم أعجمي؟

                                                فقيل: عربي مشتق من الجهومة وهي كراهة المنظر، وقيل: من قولهم: بئر جهنام أي عميقة، فعلى هذا لم تصرف؛ للعلمية والتأنيث وقال الأكثرون: هي عجمية معربة، وامتنع صرفها للعلمية والعجمة.

                                                قوله: "حتى يفيء الفيء" أي حتى يرجع الظل، أراد حتى يقع الظل الذي يكون بعد الزوال، وسمي الظل فيئا لأنه يرجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق، وفي حالة استواء الشمس في كبد السماء لا يتحقق ظل الأشياء، فإذا زالت يظهر.

                                                ويستفاد منه أحكام:

                                                الأول: فيه حجة على الشافعي في أنه لا يكره النفل الذي له سبب ؛ لما في رواية أبي داود : "حتى تصلي الصبح ثم أقصر حتى تطلع الشمس" وذلك لأنه يتناول ما له سبب وما لا سبب له.

                                                الثاني: فيه حجة على أبي يوسف والشافعي أيضا في أنهما لا يكرهان النفل يوم الجمعة حالة الزوال ؛ لأن قوله: "فدع الصلاة حتى يفيء الفيء" . يتناول كل الصلوات.

                                                الثالث: فيه أن الملائكة يحضرون صلاة المؤمنين إذا كانت في غير الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها.

                                                [ ص: 201 ] الرابع: فيه دليل على أن جهنم مخلوقة؛ خلافا لمن يقول من المعتزلة إنها لم تخلق بعد.

                                                الخامس: فيه دليل على أن وقت الغروب ليس بوقت للعصر ؛ إذ لو كان وقتا لها لما ورد النهي عن الصلاة.

                                                وأما حديث سمرة بن جندب فأخرجه أيضا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي ، وإبراهيم بن مرزوق ، كلاهما عن وهب بن جرير ، عن شعبة بن الحجاج ، عن سماك بن حرب الكوفي ، عن المهلب بن أبي صفرة الأزدي البصري واسم أبي صفرة: ظالم بن سارق ، ويقال غير ذلك.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا الحجاج ، ثنا شعبة ، عن سماك ، سمعت المهلب بن أبي صفرة قال: قال سمرة بن جندب : عن النبي -عليه السلام-: "لا تصلوا حتى تطلع الشمس؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان، ولا حين تغيب؛ فإنها تغرب بين قرني شيطان" .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير": ثنا عبيد بن غنام ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا أبو داود الطيالسي ، نا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة يحدث، عن سمرة بن جندب قال: "نهى رسول الله -عليه السلام- أن يصلى بعد الصبح حتى تطلع الشمس؛ فإنها تطلع على قرني الشيطان" .

                                                وقال: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي، نا محمد بن جعفر ، نا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة يخطب يقول: قال سمرة بن جندب ، عن النبي -عليه السلام- قال: "لا تصلوا حين تطلع الشمس ولا حين تسقط؛ فإنها تسقط بين قرني شيطان، وتغيب بين قرني شيطان" .




                                                الخدمات العلمية