الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1292 ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الحسين بن عبد الأول الأحول ، قال: ثنا أبو خالد سليمان بن حيان ، قال: ثنا ابن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا قرأ فأنصتوا". .

                                                التالي السابق


                                                ش: ابن أبي داود هو إبراهيم البرلسي ، والحسن بن عبد الأول الكوفي الأحول وثقه ابن حبان ، وأبو خالد سليمان بن حيان -بفتح الحاء، وتشديد الياء آخر الحروف- الأزدي الكوفي المعروف بأبي خالد الأحمر روى له الجماعة، ومحمد بن عجلان المدني روى له الجماعة البخاري مستشهدا، وزيد بن أسلم القرشي أبو أسامة المدني الفقيه مولى عمر بن الخطاب وشيخ أبي حنيفة روى له الجماعة، وأبو صالح ذكوان الزيات روى له الجماعة.

                                                [ ص: 99 ] وأخرجه أبو داود : نا محمد بن آدم، نا أبو خالد ، عن ابن عجلان ... إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه: "ليؤتم به" بهذا الخبر، وزاد: "وإذا قرأ فأنصتوا".

                                                وأخرجه النسائي : أنا الجارود بن المعاذ الترمذي، قال: ثنا أبو خالد ... إلى آخره، ولفظه: "ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد".

                                                أنا محمد بن عبد الله بن المبارك، قال: ثنا محمد بن سعد الأنصاري، قال: حدثني محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا".

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا أبو خالد ... إلى آخره، ولفظه بعد قوله: "فأنصتوا" "وإذا قال: غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا".

                                                وأخرجه ابن ماجه في "سننه" : عن ابن أبي شيبة نحوه.

                                                وهذا حجة صريحة -في أن المقتدى لا يجب عليه أن يقرأ خلف الإمام أصلا- على الشافعي في جميع الصلوات، وعلى مالك في الظهر والعصر.

                                                فإن قيل: قد قال أبو داود عقيب إخراجه هذا الحديث: وهذه الزيادة "إذا قرأ فأنصتوا" ليست بمحفوظة، الوهم من أبي خالد عندنا.

                                                [ ص: 100 ] وقال البيهقي في "المعرفة" بعد أن روى هذا الحديث: أجمع الحفاظ على خطأ هذه اللفظة في الحديث; أبو داود وأبو حاتم وابن معين والحاكم والدارقطني، وقالوا: إنها ليست بمحفوظة.

                                                وأسند عن ابن معين في "سننه الكبير" : قال في حديث ابن عجلان: "وإذا قرأ فأنصتوا" قال: ليس بشيء.

                                                وكذا قال الدارقطني : في حديث أبي موسى الأشعري: "وإذا قرأ الإمام فأنصتوا" وقد رواه أصحاب قتادة الحفاظ عنه، منهم هشام الدستوائي وسعيد وشعبة وهمام وأبو عوانة وأبان وعدي بن أبي عمارة، ولم يقل أحد منهم: "وإذا قرأ فأنصتوا" قال: إجماعهم يدل على وهمه. وعن أبي حاتم: ليست هذه الكلمة محفوظة، إنما هي من تخاليط ابن عجلان .

                                                قلت: في هذا كله نظر، أما ابن عجلان فإنه وثقه العجلي، وفي "الكمال" لعبد الغني: ثقة كثير الحديث، وذكر الدارقطني أن مسلما أخرج له في "صحيحه" فهذا زيادة ثقة، وقد تابعه عليها خارجة بن مصعب ويحيى بن العلاء .

                                                كما ذكره البيهقي في "سننه الكبير" . وأما أبو خالد فإنه ثقة أخرج له الجماعة، وقال إسحاق بن إبراهيم: سألت وكيعا عنه فقال: وأبو خالد ممن يسأل عنه؟! وقال أبو هشام الرفاعي: ثنا أبو خالد الأحمر الثقة الأمين، ومع هذا فلم ينفرد بهذه الزيادة.

                                                فقد أخرج النسائي كما ذكرنا هذا الحديث بهذه الزيادة من طريق محمد بن سعد الأنصاري ، ومحمد بن سعد ثقة وثقه يحيى بن معين ومحمد بن عبد الله المخرمي والنسائي، فقد تابع ابن سعد هذا أبا خالد، وتابعه أيضا إسماعيل بن أبان .

                                                [ ص: 101 ] كما أخرجه البيهقي في "سننه" . وبهذا ظهر أن الوهم ليس من أبي خالد كما زعم أبو داود، وقد ذكر المنذري في "مختصره" كلام أبي داود ورد عليه بنحو ما قلنا، وابن خزيمة صحح حديث ابن عجلان .

                                                ويؤكد هذا ما يوجد في بعض نسخ مسلم هذه الزيادة عقيب هذا الحديث، وقال أبو إسحاق صاحب مسلم: قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في حديث جرير ، عن سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن أبي غلاب ، عن حطان ، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قرأ الإمام فأنصتوا ... " الحديث.

                                                أخرجه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما ، قال مسلم: تريد أحفظ من سليمان؟! وقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة تقول هذا صحيح يعني "وإذا قرأ فأنصتوا"؟ فقال: هو عندي صحيح، فقال: لم لا تضعه ها هنا؟ قال: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا إنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه.

                                                فقد صحح مسلم هذه الزيادة من حديث أبي موسى الأشعري ومن حديث أبي هريرة، وذكر أبو عمر في "التمهيد" بسنده عن ابن حنبل أنه صحح الحديثين يعني حديث أبي موسى وحديث أبي هريرة هذا، وأيضا هذه الزيادة من ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، والعجب من أبي داود أنه نسب الوهم إلى أبي خالد وهو ثقة بلا شك، ولم ينسبه إلى ابن عجلان وفيه كلام; فافهم.




                                                الخدمات العلمية