الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1408 1409 1410 ص: حدثنا الربيع المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا الفرج بن فضالة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " فقدت النبي - عليه السلام - ذات ليلة، فظننت أنه أتى جارية فالتمسته بيدي فوقعت يدي على صدور قدميه وهو [ ص: 258 ] ساجد يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك". .

                                                حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، أن عائشة - رضي الله عنها - قالت ... ثم ذكر مثله.

                                                حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أنا يحيى بن أيوب ، قال: حدثني عمارة بن غزية ، قال: سمعت أبا النضر يقول: سمعت عروة يقول: قالت عائشة ... ثم ذكر مثله إلا أنه لم يذكر قوله: "لا أحصي ثناء عليك" وزاد "أثني عليك لا أبلغ كل ما فيك".

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه ثلاث طرق:

                                                الأول: عن الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي وشيخ أبي داود والنسائي ، عن أسد بن موسى وثقه أبو حاتم ، عن الفرج بن فضالة بن النعمان أبي فضالة الشامي الحمصي، فيه مقال، فعن يحيى والنسائي: ضعيف. وعن أحمد: ثقة. وعن يحيى: ليس به بأس. وعنه: صالح. وعن البخاري ومسلم: فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد منكر الحديث. وقال أبو حاتم: صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به، حديثه عن يحيى بن سعيد فيه إنكار، وهو في غيره أحسن حالا، وروايته عن ثابت لا تصح. روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه .

                                                يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، عن عائشة - رضي الله عنها -.

                                                الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى ... إلى آخره، وهو مرسل; لأن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي لم يسمع عائشة.

                                                قال أبو عمر في "التمهيد": وهذا الحديث مرسل في "الموطأ" عند جماعة الرواة، لم يختلفوا عن مالك في ذلك.

                                                [ ص: 259 ] وهو يسند من حديث الأعرج عن أبي هريرة عن عائشة من طرق صحاح ثابتة.

                                                الثالث: عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم الجمحي المصري، شيخ البخاري ، عن يحيى بن أيوب الغافقي المصري ، عن عمارة بن غزية بن الحارث المدني ، عن أبي النضر -بالضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية القرشي التيمي المدني ، عن عروة بن الزبير بن العوام ، عن عائشة - رضي الله عنها -.

                                                وهذا إسناد صحيح وهذا الحديث روي عن عائشة من غير وجه.

                                                فأخرجه مسلم : عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن عائشة قالت: "فقدت رسول الله - عليه السلام - ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".

                                                وأخرجه أبو داود : عن محمد بن سليمان الأنباري ، عن عبدة ، عن عبيد الله ، عن محمد بن يحيى بن حبان ... إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه النسائي : عن إسحاق بن إبراهيم ، عن جرير ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن عائشة قالت: "فقدت رسول الله - عليه السلام - ذات ليلة، فوجدته وهو ساجد، وصدور قدميه نحو القبلة، وهو يقول ... " إلى آخره نحوه.

                                                وهو مرسل كما ذكرنا.

                                                وكذا أخرجه مالك في "موطئه" : عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن عائشة.

                                                [ ص: 260 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن عبيدة بن حميد ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عائشة قالت: "طلبت رسول الله - عليه السلام - ليلة فلم أجده، قالت: فظننت أنه أتى بعض جواريه -أو نسائه- قالت: فرأيته وهو ساجد وهو يقول: اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت".

                                                وهذا أيضا مرسل; لأن إبراهيم النخعي لم يسمع عائشة.

                                                وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" : عن معمر ، عن عمران: "أن عائشة قامت ذات ليلة تلتمس النبي - عليه السلام - في جوف الليل، قالت: فوقعت يدها على بطن قدم النبي - عليه السلام - وهو ساجد وهو يقول: سبحان ربي ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك".

                                                قوله: "فقدت" ويروى: "افتقدت" وهما لغتان بمعنى.

                                                قوله: "وهو ساجد" جملة حالية، وكذا قوله: "يقول".

                                                قوله: "اللهم ... " إلى آخره قال الخطابي: فيه معنى لطيف، وذلك أنه استعاذ بالله وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضى والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمعاقبة فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له، وهو الله سبحانه وتعالى استعاذ به منه لا غير، ومعناه الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب في حق عبادته والثناء عليه.

                                                قوله: "لا أحصي ثناء عليك" أي لا أطيقه ولا آتي عليه، وقيل: لا أحيط به، وقيل معناه: لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء عليك بها وإن اجتهدت في الثناء عليك.

                                                [ ص: 261 ] قوله: "أنت كما أثنيت على نفسك" اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، ورد ثناءه إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيين، فوكل ذلك إلى الله تعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلا، وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه; لأن الثناء تابع للمثنى عليه، فكل ثناء أثني به عليه وإن كثر وإن طال وبولغ فيه فقدر الله أعظم وسلطانه أعز وصفاته أكبر وأكثر وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ.

                                                وفي هذا الحديث دليل لأهل السنة في جواز إضافة الشر إلى الله تعالى كما يضاف إليه الخير لقوله: أعوذ من سخطك، ومن عقوبتك.




                                                الخدمات العلمية