الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1412 ص: حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا معاوية بن صالح، قال: حدثني يحيى بن أيوب ، عن عمارة بن غزية ، عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - عليه السلام - أنه قال: " أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد; فأكثروا الدعاء". .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا أيضا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه مسلم : ثنا هارون بن معروف وعمرو بن سواد، قالا: ثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن عمارة بن غزية ... إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا أحمد بن صالح وأحمد بن عمرو بن السرح ومحمد بن سلمة، قالوا: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث ... إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه النسائي : عن محمد بن سلمة ، عن ابن وهب ، عن عمرو ... إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "أقرب ما يكون" معناه أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله.

                                                [ ص: 263 ] وقوله: "أقرب ما يكون" مبتدأ حذف خبره لسد الحال وهو قوله: "وهو ساجد" مسده، مثل قولهم: أحب ما يكون الأمير وهو قائم، وعلم من ذلك خطأ من زعم أن الواو في قوله: "وهو ساجد" زائدة; لأنه خبر لقوله: "أقرب" وتحقيق الكلام ها هنا أن "ما" في "ما يكون" مصدرية، والفعل الذي بعدها بمعنى المصدر، وهو بمعنى الجمع هنا لأن أفعل التفضيل يجب أن تكون بعض ما أضيف هو إليه، فتقديره أقرب أكوان العبد من أنه حاصل إذا كان وهو ساجد، ثم حذف الخبر أعني "حاصل"; لأن حذف متعلقات الظروف شائع كثير، ثم حذف الظرف أعني إذا كان لدلالة الحال عليه; لأن الحال يدل على الوقت والزمان، فالحال يدل على الظرف والظرف على الخبر، فالحال على الخبر لأن الدال على الدال على الشيء دال على ذلك الشيء.

                                                فإن قيل: ما معنى كون العبد أقرب إلى الله حالة السجود من بين سائر أحواله؟

                                                قلت: لأنه في حالة تدل على غاية تذلل واعتراف بعبودية نفسه وربوبية ربه، فكانت مظنة الإجابة فلذلك أمر - عليه السلام - بإكثار الدعاء في السجود، بقوله "فأكثروا الدعاء" أي في حالة السجود، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أن السجود أفضل من القيام، ومذهب أبي حنيفة أن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود، وبه قال الشافعي; لقوله - عليه السلام -: "أفضل الصلاة: طول القنوت".

                                                رواه مسلم . ومعناه: القيام.

                                                وقال محيي الدين النووي: وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب:

                                                أحدها: أن تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل، حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة، وممن قال بتفصيل تطويل السجود: ابن عمر - رضي الله عنهما -.

                                                والمذهب الثاني: مذهب الشافعي وجماعة أن تطويل القيام أفضل; لما ذكرنا.

                                                [ ص: 264 ] والمذهب الثالث: أنهما سواء. وتوقف أحمد بن حنبل في المسألة ولم يتعرض فيها بشيء، وقال إسحاق بن راهويه: أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما بالليل فتطويل القيام إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه فتكثير الركوع والسجود أفضل.




                                                الخدمات العلمية