الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1545 ص: حدثنا نصر بن عمار البغدادي ، قال: ثنا علي بن إشكاب ، قال: أنا أبو بدر شجاع بن الوليد ، قال: أنا أبو خيثمة ، قال: ثنا الحسن بن حر، قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك ، عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك ، عن عياش -أو عباس- بن سهل الساعدي ، وكان في مجلس فيه أبوه، وكان من أصحاب النبي - عليه السلام - وفي المجلس: أبو هريرة 5 وأبو أسيد وأبو حميد من الأنصار ، - رضي الله عنهم - "أنهم تذاكرو الصلاة، فقال أبو حميد: : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله - عليه السلام -، فقالوا: وكيف؟ قال: اتبعت ذلك من رسول الله - عليه السلام -، قالوا: فأرنا، قال: فقام يصلي وهم ينظرون، فبدأ فكبر ورفع يديه نحو حذو المنكبين، ثم كبر للركوع ورفع يديه أيضا، ثم أمكن يديه من ركبتيه غير مقنع رأسه ولا مصوبه، ثم رفع رأسه فقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم رفع يديه، ثم قال: الله أكبر فسجد، فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر فجلس فتورك إحدى رجليه ونصب قدمه الأخرى، وكبر كذلك، ثم جلس بعد الركعتين حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبير، ثم ركع الركعتين، ثم سلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن شماله أيضا: السلام عليكم ورحمة الله".

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا الحديث شاهدا لما قاله من أن بين محمد بن عمرو بن عطاء وبين أبي حميد واسطة، وأن غير عبد الحميد لم يجعل هذا الحديث سماعا لمحمد بن عمرو هذا من أبي حميد، وأنه لم يفصل حكم الجلوس كما فصله عبد الحميد .

                                                وأخرجه عن نصر بن عمار البغدادي ، عن علي بن إشكاب وهو علي بن الحسين بن إبراهيم أبو الحسين بن إشكاب البغدادي شيخ أبي داود وابن ماجه، وثقه النسائي وابن حبان .

                                                [ ص: 440 ] عن أبي بدر شجاع بن الوليد بن قيس السكوني شيخ أحمد بن حنبل، روى له الجماعة.

                                                عن أبي خيثمة زهير بن معاوية بن خديج الكوفي أحد أصحاب أبي حنيفة، روى له الجماعة.

                                                عن الحسن بن حر بن الحكم النخعي الكوفي، وثقه ابن معين والنسائي، وروى له أبو داود والنسائي .

                                                عن عيسى بن عبد الله بن مالك الدار، وهو مالك بن عياض مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -; قال ابن المديني: مجهول. وذكره ابن حبان في "الثقات". وروى له أبو داود وابن ماجه .

                                                عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن عياش -بتشديد الياء آخر الحروف، أو العباس بالباء الموحدة - ابن سهل الساعدي، روى له الجماعة سوى النسائي .

                                                وأخرجه البيهقي : من حديث شجاع بن الوليد، حدثني أبو خيثمة زهير، حدثني الحسن بن حر ... إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه: "سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، فرفع يديه، ثم قال: الله أكبر" وفي لفظه أيضا: "فتورك إحدى قدميه ونصب الأخرى، ثم كبر وسجد، ثم كبر -يعني-: فقام، ولم يتورك، ثم عاد فركع الركعة الأخرى كذلك، ثم جلس بعد الركعتين، حتى إذا أراد أن ينهض للقيام قام بتكبيرة، وركع الركعتين الأخريين، ثم سلم عن يمينه ... " إلي آخره.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا علي بن الحسين بن إبراهيم، نا أبو بدر ... إلى قوله: وأبو حميد ... نحوه، ثم قال: بهذا الخبر يزيد وينقص، قال فيه: "ثم رفع رأسه -يعني من الركوع- فقال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ورفع يديه، ثم قال: الله أكبر، فسجد فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر [ ص: 441 ] فجلس، فتورك ونصب قدمه الأخرى، ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام ولم يتورك ... " ثم ساق الحديث، قال: "ثم جلس بعد الركعتين، حتى إذا هو أراد أن ينهض للقيام قام بتكبيرة، ثم ركع الركعتين الأخريين ... " ولم يذكر التورك في التشهد.

                                                قوله: "فأرنا" أمر من أرى يري إراءة.

                                                قوله: "غير مقنع رأسه" حال من الضمير الذي في قوله: "ثم أمكن" ورأسه منصوب بقوله: "مقنع" وهو من أقنع إقناعا، وأراد به لا يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره، قال الله تعالى: مقنعي رءوسهم أي رافعي رءوسهم.

                                                قوله: "ولا مصوبه" بالجر عطفا على "مقنع" من التصويب وهو التنكيس، أراد به لا يخفض رأسه إلى أسفل.

                                                قوله: "فانتصب على كفيه" من نصبته فانتصب.

                                                قوله: "وصدور قدميه" أي صدري قدميه، ذكر الجمع وأراد به التثنية، كما في قوله تعالى: فقد صغت قلوبكما أي قلباكما.

                                                قوله: "وهو ساجد" جملة اسمية وقعت حالا.

                                                قوله: "فتورك" من التورك، وهو أن يجلس على أليتيه وينصب اليمنى، ويخرج اليسرى من تحته.

                                                ويستنبط منه أحكام:

                                                الأول: فيه أن ابتداء الصلاة بالتكبير وهي فرض بالإجماع، ولكن اختلفوا هل هي ركن، أو شرط؟ وقد تقدم.

                                                الثاني: فيه رفع اليدين في أول الصلاة، وهو مستحب بالإجماع.

                                                الثالث: فيه رفع اليدين إلى حذو المنكبين، وبه تمسك الخصم، وأصحابنا حملوه على حالة العذر، وقد مر مستوفى.

                                                [ ص: 442 ] الرابع: فيه أن الركوع له تكبير، وهو أيضا سنة بالاتفاق.

                                                الخامس: فيه رفع اليدين عند الركوع، وقد قلنا: إنه منسوخ.

                                                السادس: فيه بيان هيئة الركوع، وهو أن لا يرفع رأسه إلى فوق، ولا ينكسه، ومن هذا قال صاحب "الهداية": ويبسط ظهره، ولا يرفع رأسه ولا ينكسه.

                                                السابع: فيه أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، وبه احتج أبو يوسف ومحمد والشافعي، وقد مر الكلام فيه مستقصى.

                                                الثامن: فيه التكبير للسجود، وهو أيضا سنة بالاتفاق.

                                                التاسع: فيه بيان هيئة السجود.

                                                العاشر: فيه التورك في القعدة الأولى، وبه احتج مالك، وعندنا هو محمول على حالة العذر والكبر.

                                                الحادي عشر: فيه السلام مرتين: مرة عن يمينه، ومرة عن شماله.




                                                الخدمات العلمية