الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1578 1579 ص: وحجة أخرى: أنا قد رأينا عبد الله شدد في ذلك حتى أخذ على أصحابه "الواو" فيه كي يوافقوا لفظ رسول الله - عليه السلام -، ولا نعلم غيره فعل ذلك، فلهذا استحببنا ما روي عن عبد الله دون ما روي عن غيره، فمما روي عن عبد الله مما ذكرنا: ما قد حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عمارة بن عمر ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: "كان عبد الله يأخذ علينا "الواو" في التشهد".

                                                التالي السابق


                                                ش: أي برهان آخر في ترجيح حديث عبد الله في التشهد على حديث غيره: هو تشديد عبد الله على أصحابه في أخذ "الواو" فيه ليوافقوا لفظ رسول الله - عليه السلام - ولا يخالفوه، ولو لم يكن أمره مؤكدا عنده لما فعل ذلك، ولا يعلم أحد غيره من الصحابة الذين رووا التشهد فعل من التأكيد ما فعله عبد الله، فهذا هو وجه استحباب أخذ ما رواه هو، وترك ما رواه غيره.

                                                ثم إنه أخرج الأثر المذكور عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي الكوفي ، عن سفيان الثوري ، عن سليمان الأعمش ، عن عمارة بن عمر التيمي الكوفي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي .

                                                وهؤلاء كلهم رجال الصحيحين ما خلا بكارا .

                                                [ ص: 481 ] وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا ابن فضيل ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود قال: "كان عبد الله يعلمنا التشهد في الصلاة كما يعلمنا السورة من القرآن، يأخذ علينا الألف و"الواو".

                                                ثنا وكيع ، قال: ثنا الأعمش ، عن إبراهيم قال: "كان يأخذ علينا الواو في التشهد: الصلوات والطيبات".

                                                قوله: "كان عبد الله يأخذ علينا الواو" أي الواو التي بين التحيات والصلوات، وبين الصلوات والطيبات، أراد أنه كان يقولها بالواوين: "التحيات لله والصلوات والطيبات" ولا ينبغي أن يتركهما ولا واحدة منها، وقد بالغ فيه بعض الناس أنه إذا تركها أعاد الصلاة.

                                                وقال ابن قدامة: قال ابن حامد: ورأيت بعض أصحابنا يقولون: لو ترك واوا أو حرفا أعاد الصلاة لقول الأسود: "فكنا نتحفظه عن عبد الله كما نتحفظ حروف القرآن" ولكن الأصح أن ذلك لا يضر صلاته.

                                                وقال أحمد: تشهد عبد الله أعجب إلي، وإن تشهد بغيره فهو جائز؛ لأن النبي - عليه السلام - لما علمه الصحابة مختلفا، دل على جواز الجميع; كالقراءات المختلفة التي اشتمل عليها المصحف.

                                                وقال القاضي: وهذا يدل على أنه إذا أسقط لفظة هي ساقطة في بعض التشهدات المروية صح تشهده. انتهى.

                                                قلت: هذا كله من حيث الجواز، وأما من حيث الفضيلة فلا ينبغي أن نخل لفظا من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.

                                                وقد روى الترمذي : نا أحمد بن محمد بن موسى، قال: نا عبد الله بن المبارك، [ ص: 482 ] عن معمر، عن خصيف قال: "رأيت النبي - عليه السلام - في المنام فقلت: يا رسول الله، إن الناس قد اختلفوا في التشهد فقال: عليك بتشهد ابن مسعود".

                                                وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" : عن معمر، عن خصيف الجزري قال: "رأيت رسول الله - عليه السلام - في النوم جاءني فقلت: يا رسول الله اختلف علينا في التشهد، قال فلان كذا، وقال فلان كذا، وقال ابن مسعود كذا، قال: السنة سنة ابن مسعود - رضي الله عنه -".




                                                الخدمات العلمية