الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1635 ص: فإن قال قائل: فقد قال: " تحريمها التكبير" فكان هو الذي لا يدخل فيها إلا به، وكذلك لما قال: " وتحليلها التسليم" كان كهو أيضا لا يخرج منها إلا به.

                                                قيل له: إنه لا يجوز الدخول في الأشياء إلا من حيث أمر به من الدخول فيها، وقد يخرج من الأشياء من حيث أمر أن يخرج منها ومن غير ذلك، ومن ذلك:

                                                [ ص: 536 ] أنا قد رأينا أن النكاح قد نهي أن يعقد على المرأة; وهي في عدة، وكان من عقده عليها وهي كذلك لم يكن بذلك مالكا لبضعها، ولا وجب له عليها نكاح، في أشباه لذلك كثيرة يطول بذكرها الكتاب، وأمر ألا يخرج منه إلا بالطلاق الذي لا إثم فيه، وأن تكون المطلقة طاهرا من غير جماع، وكان من طلق على غير ما أمر به من ذلك فطلق ثلاثا أو طلق امرأته حائضا يلزمه ذلك وإن كان آثما، ويخرج بذلك الطلاق المنهي عنه من النكاح الصحيح، فكان قد بينت الأسباب التي تملك بها الأبضاع كيف هي، والأسباب التي تزول بها الأملاك عنها كيف هي، ونهوا عما خالف ذلك أو شيئا منه، فكان من فعل ما نهي عنه من ذلك ليدخل به في النكاح لم يدخل به فيه، فإذا فعل شيئا منه ليخرج به من النكاح خرج به منه، فلما كان لا يدخل في الأشياء إلا من حيث أمر به من الدخول فيها، ويخرج منها من حيث أمر به من الخروج منها وبغير ذلك; كان كذلك النظر في الصلاة أن يكون كذلك، فيكون الدخول فيها غير واجب إلا بما أمر به من الدخول فيها، ويكون الخروج منها بما أمر به، مما يخرج به منها ومن غير ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: لا يصح الدخول في الصلاة إلا بالتكبير؛ لقوله - عليه السلام -: "تحريمها التكبير" فكذلك لا يصح الخروج منها إلا بلفظ السلام لقوله - عليه السلام -: "وتحليلها التسليم".

                                                وتقرير الجواب ملخصا: أن الدخول في الأشياء لا يجوز إلا من حيث أمر به من الدخول فيها، ولكن الخروج منها يجوز أن يكون من حيث أمر أن يخرج منها، ويجوز أن يكون من غير ما أمر به أن يخرج منها، غاية ما في الباب يكون مسيئا في ذلك، ونظير ذلك من الصور كثير، منها النكاح: فإنه نهي أن يعقد على المرأة إذا كانت في العدة، فالدخول فيه لا يصح إلا من حيث أمر به، وهو أن تكون المرأة خالية من الأزواج والموانع الشرعية، حتى إذا عقد عليها وهي في عدة لا يصير به الزوج مالكا لبضعها، ولا تثبت بذلك أمور الزوجية، ولكن الخروج في مثل هذه الصورة يجوز أن يكون من حيث أمر به أن يخرج منها ويجوز [ ص: 537 ] أن يكون من غير ذلك، مثلا أمر الزوج أن يطلق امرأته طلاقا لا إثم فيه، وتكون المرأة طاهرا من غير جماع، فهذا هو الأمر الذي أمر فيه أن لا يخرج منه إلا به، ثم لو ترك هذا وخرج منه من غير ما أمر به، فإن طلقها ثلاث تطليقات دفعة واحدة، أو طلقها وهي حائض فإنه يقع طلاقه في الصورتين كما أوقعه، فهذا قد خرج منه من غير ما أمر به ولكنه كان مسيئا.

                                                فعلم من ذلك أن حالة الخروج من الشيء لا تقتضي أن تكون على صفة حالة الدخول فيه، فإذا كان الأمر كذلك كان النظر والقياس في الصلاة أن يكون كذلك، فيكون الدخول فيها لا يصح إلا من حيث أمر به من الدخول فيها، فلا يصح الدخول فيها إلا بالتكبير، ويكون الخروج منها بما أمر به من السلام، وبغير ذلك من الأفعال التي تنافي الصلاة، فيكون هذا أيضا صحيحا ولكنه يكون مسيئا لتركه السنة، والله أعلم.

                                                قوله: "من ذلك أنا قد رأينا" فقوله: "أنا رأينا" في محل الرفع على الابتداء، وخبره قوله: "من ذلك"، وأشار بذلك إلى قوله: "وقد يخرج من الأشياء ... " إلى آخره.

                                                قوله: "وهي كذلك" أي والحال أن المرأة كذلك، أي في عدة الغير.

                                                قوله: "لم يكن بذلك" أبي بذلك العقد.

                                                قوله: "في أشباه لذلك" أي في أمثال ونظائر لما ذكر من الصورة.

                                                قوله: "كثيرة" بالجر صفة لقوله: "أشباه".

                                                قوله: "ويخرج بذلك الطلاق المنهي عنه" أي يخرج المطلق بالطلاق الذي أوقعه ثلاثا أو في حالة الحيض، و"الطلاق" مجرور; لأنه بدل عن قوله: "بذلك" أو صفة له. فافهم.

                                                قوله: "فكان قد بينت" على صيغة المجهول من التبيين.

                                                [ ص: 538 ] قوله: "يلزمه ذلك" خبر لقوله: "وكان من طلق على غير ما أمر به" وقوله: "مطلق ثلاثا" تفسير لما قبله. فافهم.




                                                الخدمات العلمية