الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1838 1839 1840 1841 ص: قد ذكرنا في باب "التطبيق في الركوع" عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - "أنه صلى بعلقمة 5 والأسود، فجعل أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، قال: ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا، فضرب أيدينا بيده وطبق، فلما فرغ قال: هكذا فعل رسول الله - عليه السلام -".

                                                فاحتمل ذلك عندنا أن يكون ما ذكره عن النبي - عليه السلام - أنه فعله هو التطبيق، ويحتمل أن يكون هو التطبيق وإقامة أحد المأمومين عن يمينه والآخر عن شماله، فأردنا أن ننظر، هل في شيء من الروايات ما يدل على شيء من ذلك؟

                                                فإذا حسين بن نصر قد حدثنا، قال: سمعت يزيد بن هارون ، قال: ثنا محمد ابن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، قال: " دخلت أنا وعمي على عبد الله بالهاجرة، فأقام الصلاة، فتأخرنا خلفه، فأخذ أحدنا بيمينه، والآخر بشماله، فجعلنا عن يمينه وعن يساره، فلما فرغ قال: هكذا كان رسول الله - عليه السلام - يصنع إذا كانوا ثلاثة". .

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله-: فهذا الحديث يخبر أن قول ابن مسعود: " هكذا فعل رسول الله - عليه السلام -" هو على قيام الرجلين أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، وعلى التطبيق جميعا.

                                                وقد حدثنا أبو بشر الرقي ، قال: ثنا معاذ بن معاذ ، عن ابن عون ، قال: "كنت أنا وشعيب بن الحبحاب عند إبراهيم، فحضرت العصر، فصلى بنا إبراهيم، ، فقمنا

                                                [ ص: 181 ] خلفه، فجرنا، فجعلنا عن يمينه وعن شماله، قال: فلما صلينا وخرجنا إلى الدار قال إبراهيم: ، قال ابن مسعود: هكذا فصلوا، ولا تصلوا كما يصلي فلان. قال: فذكرت ذلك لمحمد بن سيرين ، ولم أسم له إبراهيم، ، فقال: هذا إبراهيم ، قد قال ذاك عن علقمة، ، ولا أرى ابن مسعود فعله إلا لضيق كان في المسجد، أو لعذر رآه فيه، ولا أعلم ذلك من السنة. قال: فذكرته للشعبي ، فقال: قد زعم ذلك علقمة- ابن عون القائل".

                                                ففي هذا الحديث إضافة الفعل إلى ابن مسعود ولم يذكره الشعبي ولا ابن سيرين أن ابن مسعود - رضي الله عنه - ذكره عن النبي - عليه السلام -، ثم ذكره الأسود لابنه عن النبي - عليه السلام -.

                                                وكيف كان المعنى في هذا؟ فقد عورض ذلك بما حدثنا حسين بن نصر ، قال: ثنا مهدي بن جعفر ، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن أبي حزرة المدني يعقوب بن مجاهد ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال: أتينا جابر بن عبد الله ، فقال جابر: " جئت رسول الله - عليه السلام - وهو يصلي حتى قمت عن يساره، فأخذني بيده فأدارني حتى أقامني عن يمينه، وجاء جبار بن صخر فقام عن يساره، فدفعنا بيده جميعا حتى أقامنا خلفه". .

                                                حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره، عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك: " أن جدته مليكة دعت النبي - عليه السلام - لطعام صنعته، فأكل منه، ثم قال: قوموا فلأصلي لكم، قال أنس: : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله - عليه السلام - وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى بنا ركعتين ثم انصرف". .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر الطحاوي في باب "التطبيق في الركوع" -وهو أن يجمع بين أصابع يديه ويجعلهما بين ركبتيه في الركوع- عن ابن مسعود شيئين:

                                                الأول: أنه صلى بعلقمة والأسود، فجعل أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله.

                                                والثاني: أنه طبق ثم قال بعد فراغه من صلاته: "هكذا فعل رسول الله - عليه السلام -".

                                                [ ص: 182 ] فقوله هذا يحتمل معنيين:

                                                الأول: أن يكون فعله هذا هو التطبيق وحده، يعني يكون قوله: "هكذا فعل رسول الله - عليه السلام -" راجعا إلى التطبيق وحده.

                                                الثاني: يحتمل أن يكون قوله: "هكذا فعل رسول الله - عليه السلام -" راجعا إلى التطبيق وإلى إقامة أحد المأمومين عن يمينه والآخر عن شماله.

                                                فإذا كان الأمر كذلك نحتاج أن ننظر هل جاء شيء من الروايات ما يدل على شيء من ذلك؟ فنظرنا في ذلك، فوجدنا عبد الرحمن بن الأسود روى عن أبيه الأسود أنه قال: "دخلت أنا وعمي ... " الحديث، فدل هذا الحديث على أن قول ابن مسعود: "هكذا فعل رسول الله - عليه السلام -" يرجع إلى الاحتمال الثاني وهو أنه يدل على قيام أحد المأمومين عن يمينه والآخر عن شماله، وعلى التطبيق جميعا، وهذا هو مذهب ابن مسعود وأصحابه، وروي أيضا عن أبي يوسف، ومذهب الجمهور أن الإمام يتقدم عليهما، وهو قول عمر وعلي وجابر بن زيد ، وعطاء ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي وأحمد .

                                                ثم إسناد هذا الحديث صحيح، ورجاله ثقات.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا يزيد بن هارون، أنا محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه قال: "دخلت على ابن مسعود أنا وعمي بالهاجرة، قال: فأقام الصلاة، فقمنا خلفه، قال: فأخذني بيد وأخذ عمي بيد، قال: ثم قدمنا حتى جعل كل رجل منا على ناحية، ثم قال: هكذا كان رسول الله - عليه السلام - يفعل إذا [كانوا] ثلاثة".

                                                قوله: "دخلت أنا وعمي" إنما ذكر "أنا" ليصح عطف قوله: "وعمي" على قوله: "دخلت"; لأن الضمير المرفوع المتصل لا يعطف عليه إلا بإعادة الضمير المتصل ليصير عطف الاسم على الاسم، وفي تركه يتوهم عطف الاسم على الفعل.

                                                [ ص: 183 ] وعم الأسود هو علقمة بن قيس بن عبد الله ، والأسود بن يزيد بن قيس ، فعلقمة ويزيد أخوان ابنا قيس بن عبد الله .

                                                والهاجرة: اشتداد الحر نصف النهار، وأراد به وقت الظهر.

                                                قوله: "فجعلنا" بفتح اللام، أي جعلنا ابن مسعود عن يمينه، وعن شماله.

                                                قوله: "وقد حدثنا أبو بشر الرقي ... " إلى آخره، جواب عما ذكر، بيانه: أن الحديث المذكور وإن كان مرفوعا في رواية الأسود، فهو موقوف في رواية إبراهيم النخعي، والصحيح وقفه، وكذا قال أبو عمر: إن هذا الحديث لا يصح رفعه، والصحيح فيه عندهم التوقيف على ابن مسعود أنه كذلك صلى بعلقمة والأسود. انتهى.

                                                والدليل على صحة الوقف دون الرفع: أن محمد بن سيرين أنكر أن يكون ذلك من السنة حيث قال: ولا أعلم ذلك من السنة، وإنما فعل ابن مسعود ذلك لضيق كان في المسجد، أو لعلة أخرى رآه فيها، وكذا عامر بن شراحيل الشعبي قال: هذا زعم علقمة وعبد الله بن عون هو القائل بذلك.

                                                ففي هذا الحديث أضافوا الفعل إلى ابن مسعود دون النبي - عليه السلام -، أعني به الحديث الذي أخرجه عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، عن معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري أبي المثنى البصري قاضيها روى له الجماعة، عن عبد الله بن عون بن أرطبان المزني أبي عون البصري روى له الجماعة، قال: كنت أنا وشعيب بن الحبحاب الأزدي أبو صالح البصري روى له الجماعة سوى ابن ماجه .

                                                عن إبراهيم هو النخعي ، وإبراهيم لم يسمع من ابن مسعود .

                                                قوله: "وقد يجوز أيضا أن يكون علقمة ... " إلى آخره، جواب عن سؤال مقدر، تقريره أن يقال: قد يجوز أن يكون علقمة بن قيس لم يذكر لعامر الشعبي ولا لمحمد ابن سيرين أن ابن مسعود ذكر فعله المذكور عن النبي - عليه السلام -، وذكره الأسود بن يزيد لابنه عبد الرحمن أنه عن النبي - عليه السلام -، فيكون الحديث مرفوعا.

                                                [ ص: 184 ] وتقرير الجواب هو ما أشار إليه بقوله: "وكيف كان المعنى في هذا، فقد عورض ذلك ... " إلى آخره، بيانه: أن هذا الحديث وإن سلمنا صحة رفعه أو صحة وقفه; فأيا ما كان فهو معارض بحديث جابر بن عبد الله وحديث أنس بن مالك - رضي الله عنهم -.

                                                أما حديث جابر فأخرجه بإسناد صحيح، عن حسين بن نصر بن المعارك ، عن مهدي بن جعفر الرملي الزاهد وعن يحيى: لا بأس به.

                                                عن حاتم بن إسماعيل المدني روى له الجماعة، عن أبي حزرة -بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة وبالراء المهملة- المدني القاضي واسمه يعقوب بن مجاهد، روى له البخاري في "الأدب" ومسلم وأبو داود .

                                                عن عبادة بن الوليد أبي الصامت المدني روى له الجماعة سوى الترمذي .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث حاتم بن إسماعيل، ثنا أبو حزرة يعقوب بن مجاهد ، عن عبادة بن الوليد قال: "أتينا جابرا قال: سرت مع رسول الله - عليه السلام - في غزوة فقام يصلي ... " الحديث، وفيه: "فقمت عن يسار رسول الله - عليه السلام - فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره، فأخذنا بيديه جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه".

                                                وأخرجه مسلم وأبو داود أيضا مطولا.

                                                وجبار بن صخر بن أمية بن خنساء الأنصاري الخزرجي ثم السلمي، يكنى أبا عبد الله، من أصحاب العقبة.

                                                قوله: "فدفعنا" بفتح العين أي فدفعنا رسول الله - عليه السلام -.

                                                وأما حديث أنس فأخرجه أيضا بإسناد صحيح، عن يونس بن عبد الأعلى شيخ مسلم ، عن عبد الله بن وهب ... إلى آخره.

                                                [ ص: 185 ] وأخرجه الجماعة غير ابن ماجه .

                                                فالبخاري : عن عبد الله ، عن مالك .

                                                ومسلم : عن يحيى بن يحيى ، عن مالك .

                                                وأبو داود : عن القعنبي ، عن مالك .

                                                والترمذي : عن إسحاق الأنصاري ، عن مالك .

                                                والنسائي : عن قتيبة ، عن مالك .

                                                غير أن في رواية البخاري ومسلم: "فصلى لنا رسول الله - عليه السلام - ركعتين"، وفي رواية أبي داود: "فصلى لنا ركعتين"، وفي رواية النسائي: "قوموا فأصلي لكم، وصلى ركعتين ثم انصرف".

                                                قوله: "أن جدته مليكة" الضمير في "جدته" يرجع إلى إسحاق المذكور، وهي جدة إسحاق أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة، وهي أم سليم بنت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري، وهي أم أنس بن مالك، ويقال: الضمير يرجع إلى أنس، وهو القائل: "أن جدته" وهي جدة أنس بن مالك أم أمه، واسمها مليكة بنت مالك بن عدي، ويؤيد الوجه الأول أن في بعض طرق الحديث: "أن أم سليم سألت رسول الله - عليه السلام - أن يأتيها".

                                                أخرجه النسائي : عن يحيى بن سعيد ، عن إسحاق بن عبد الله ... فذكره.

                                                [ ص: 186 ] وأم سليم هي أم أنس، جاء ذلك مصرحا في البخاري، وقال النووي في "الخلاصة": الضمير في "جدته" لإسحاق -على الصحيح- وهي أم أم إسحاق، وقيل جدة أنس. وهو باطل، وهي أم سليم، صرح به في رواية البخاري، ومليكة بضم الميم وفتح اللام، وبعض الرواة رواه بفتح الميم وكسر اللام، والأول أصح، وفي بعض شروح البخاري: اختلف في الضمير من "جدته" هل يعود على إسحاق أو على أنس؟ فزعم أبو عمر أنه يعود على إسحاق وأنها جدته وأم أنس، ولم يتردد في ذلك، وتبعه على ذلك غير واحد، يؤيده ما جاء في رواية أبي داود "أن رسول الله - عليه السلام - كان يزورها وجاءت الصلاة فصلى على بساط"، وما جاء في رواية النسائي: "أن أم سليم سألت رسول الله - عليه السلام - أن يأتيها فيصلي في بيتها" ومنهم من قال: الضمير يعود على أنس; لأن أم أم سليم اسمها مليكة بنت مالك بن عدي بن زيد مناة. قال ذلك محمد بن سعد في كتاب "الطبقات"، وهشام بن محمد الكلبي في "الجمهرة"، وأبو عبيد بن سلام ، وأحمد بن جابر البلاذري وذكرها في الصحابة - رضي الله عنهم -، وزعم الأصيلي أن أم سليم اسمها مليكة بفتح الميم وكسر اللام، وكأنه غير جيد لغرابته.

                                                قوله: "دعت النبي - عليه السلام -" أي طلبته.

                                                قوله: "لطعام" أي لأجل طعام.

                                                قوله: "صنعته" جملة وقعت صفة لطعام.

                                                قوله: "فأكل منه" فيه حذف، أي فأجاب دعوتها، فجاء فأكل منه.

                                                قوله: "فلأصلي بكم" قال أبو العباس القرطبي: رويناه بكسر لام "فلأصلي" وفتح الياء على أنها لام كي، والياء زائدة، وروي بكسر اللام وجزم الياء على خطاب نفسه، وروي بفتح اللام وإثبات الياء ساكنة، وهي أضعفها; لأن اللام تكون جواب قسم محذوف، وحينئذ تلزمها النون في المشهور.

                                                [ ص: 187 ] قوله: "فقمت إلى حصير" قال ابن سيده في "المحكم" و"المحيط الأعظم": إنها سفيفة تصنع من بردي وأسل ثم تفترش; سمي بذلك لأنه يلي وجه الأرض، ووجه الأرض يسمى حصيرا. وفي "الجمهرة": الحصير عربي; سمي حصيرا لانضمام بعضه إلى بعض.

                                                قوله: "من طول ما لبس" أي من كثرة ما استعمل، وقال الشيخ تقي الدين: دل ذلك أن الافتراش يطلق عليه لبس.

                                                ويرتب على ذلك مسألتان:

                                                إحداهما: لو حلف لا يلبس ثوبا ولم تكن له نية فافترشه; أنه يحنث.

                                                والثانية: أن افتراش الحرير حرام; لأنه كاللبس.

                                                قلت: أما الأولى فينبغي أن لا يحنث فيها; لأن مبنى اليمين على العرف، ولا يسمى المفترش لابسا في العرف.

                                                وأما الثانية: فليس الافتراش كاللبس; لأن بجواز الافتراش جاء الأثر دون اللبس.

                                                قوله: "فنضحته بماء" إن كان ذلك لنجاسة متيقنة يكون النضح بمعنى الغسل، وإن كان لتوقع نجاسة لامتهانه بطول افتراشه يكون النضح بمعنى الرش لتطييب النفس، ويقال: إن كان النضح ليلين الحصير للصلاة عليه يكون بمعنى الرش، وإن كان لعرض الدوس والأقدام يكون بمعنى الغسل.

                                                قوله: "واليتيم" عطف على ما قبله، وإنما ذكر "أنا" لأن العطف على الضمير المرفوع المتصل لا يجوز إلا بعد الضمير المرفوع المنفصل; حتى لا يتوهم عطف الاسم على الفعل، واسم اليتيم ضميرة، جد حسين بن عبد الله بن ضميرة، قاله ابن الحذاء عن عبد الملك بن حبيب، قال: ولم يذكره إلا ابن حبيب فيما علمت، وأظنه سمعه من حسين بن عبد الله أو من أحد من أهل المدينة الذين لقيهم، قال ابن الحذاء: حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة ، وأبو ضميرة [ ص: 188 ] هو مولى رسول الله - عليه السلام -، فإن كان كما قال فقد اختلفوا في اسم أبي ضميرة، فقيل: اسمه روح بن سندر، وقيل روح بن شيرزاد، وقال أبو عمر عن البخاري: اسمه سعد الحميري من آل ذي يزن، وقال أبو حاتم: سعيد الحميري هو جد حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة .

                                                قوله: "ثم انصرف" أي عن البيت، وهذا هو الأقرب، ويحتمل أنه أراد الانصراف من الصلاة.

                                                أما على رأي أبي حنيفة بناء على أن السلام لا يدخل تحت مسمى الركعتين.

                                                وأما على رأي غيره فيكون الانصراف عبارة عن التحلل الذي يستعقب السلام، وقد قال بعض الحنفية: ويستدل أبو حنيفة ومن قال بقوله أن السلام ليس بواجب في الخروج من الصلاة لقوله: "ثم انصرف" ولم يذكر سلاما، ولقائل أن يقول: قوله "ثم انصرف" يريد الانصراف من البيت الذي هو فيه كما ذكرناه.

                                                ويستفاد من الحديث فوائد: استحباب التواضع وحسن الخلق، وإجابة دعوة الداعي، والدلالة على إجابة أولي الفضل لمن دعاهم لغير الوليمة، واستحباب الصلاة للتعليم أو لحصول البركة، وبيان موقف الاثنين وراء الإمام وهو المطلوب من تخريج الحديث، والدلالة على أن للصبي موقفا في الصف، وعلى أن موقف المرأة وراء موقف الصبي، وأنها لا تجوز إمامتها لأن مقامها إذا كان متأخرا عن مرتبة الصبي فبالأولى أن لا تتقدمهم، وهو قول الجمهور خلافا للطبري وأبي ثور في إجازتهما إمامة النساء مطلقا، وحكي عنهما أيضا إجازة ذلك في التراويح إذا لم يوجد قارئ غيرها، وعلى جواز الاجتماع في النوافل خلف الإمام، وعلى صحة صلاة الصبي وأنها معتد بها، وعدم كراهة الصلاة على الحصير ونحوه مما تنبته الأرض وهو إجماع، إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز، ويحمل فعله على التواضع.

                                                [ ص: 189 ] فإن قيل: فقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" : من حديث يزيد بن المقدام، [عن المقدام بن شريح] عن أبيه، عن شريح: "أنه سأل عائشة - رضي الله عنها -: أكان النبي - عليه السلام - يصلي على الحصير، فإني سمعت في كتاب الله -عز وجل- وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا فقالت: لا، لم يكن يصلي عليه".

                                                قلت: هذا غير صحيح; لأنه معلول بيزيد ، فلا يعارض الصحيح.




                                                الخدمات العلمية