الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2105 2106 ص: وقد قال قوم: قد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد في المفصل بمكة، ، فلما هاجر ترك ذلك، ورووا ذلك عن ابن عباس من طريق ضعيف لا يثبت مثله، ورووا عنه من قوله: "أنه لا سجود في المفصل".

                                                [ ص: 506 ] حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا همام ، عن ابن جريج ، عن عطاء " أنه سأل ابن عباس عن سجود القرآن، فلم يعد عليه في المفصل شيئا".

                                                وهذا عندنا لو ثبت لكان فاسدا; وذلك أن أبا هريرة قد روينا عنه في هذا الباب أن رسول الله - عليه السلام - قد سجد في والنجم وأنه كان حاضرا ذلك، وأن النبي - عليه السلام - سجد في إذا السماء انشقت وإسلام أبي هريرة ولقاؤه رسول الله - عليه السلام - إنما كان بالمدينة قبل وفاته بثلاث سنين، قد روينا ذلك عنه في موضعه من كتابنا هذا، فدل ذلك على فساد ما ذهب إليه أهل تلك المقالة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالقوم هؤلاء: مجاهدا والحسن البصري وعطاء وابن جريج وبعض أصحاب الشافعي; فإنهم قالوا: قد كان رسول الله - عليه السلام - يسجد في المفصل بمكة، فلما هاجر إلى المدينة ترك ذلك، واستدلوا في ذلك بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - من طريق ضعيف.

                                                وهو ما رواه أبو داود : ثنا محمد بن رافع، نا أزهر بن القاسم -قال محمد: رأيته بمكة- نا أبو قدامة ، عن مطر الوراق ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: "أن رسول الله - عليه السلام - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة".

                                                فهذا هو الحديث الذي أشار إليه الطحاوي بقوله: "من طريق ضعيف لا يثبت مثله". وقال عبد الحق في "أحكامه": إسناده ليس بقوي، ويروى مرسلا.

                                                وقال ابن القطان في كتابه: وأبو قدامة الحارث بن عبيد قال فيه ابن حنبل: مضطرب الحديث. وضعفه ابن معين، وقال الساجي: صدوق وعنده مناكير، ومطر الوراق كان سيئ الحفظ حتى كان يشبه في سوء الحفظ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد عيب على مسلم إخراج حديثه.

                                                قوله: "ورووا عنه" أي روى هؤلاء القوم من قول ابن عباس أنه لا سجود في

                                                [ ص: 507 ] المفصل، وأشار بهذا إلى أنهم احتجوا أيضا في عدم السجود في المفصل بقول ابن عباس أيضا.

                                                أخرجه عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن الخصيب بن ناصح الحارثي البصري نزيل مصر، عن همام بن يحيى ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح: "أنه سأل عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - عن سجود القرآن، فلم يعد عليه -أي على عطاء- في المفصل -وهو السبع السابع- شيئا من السجود".

                                                قوله: "وهذا عندنا" أشار به إلى الحديث الذي رووا عن ابن عباس من طريق ضعيف، وهو الذي أخرجه أبو داود الذي ذكرناه آنفا، يعني: ولئن سلمنا أن هذا الحديث ثابت من حيث الإسناد ولكنه فاسد من حيث الدلالة على الحكم; وذلك لأن أبا هريرة قد روى عن النبي - عليه السلام - أنه سجد في والنجم وأنه كان حاضرا ذلك، وأنه سجد أيضا في إذا السماء انشقت وإسلام أبي هريرة ولقيه رسول الله - عليه السلام - إنما كان بالمدينة سنة سبع من المهجرة، فظهر بهذا فساد ذلك الحديث.

                                                وقال عبد الحق: والصحيح حديث أبي هريرة: "أن النبي - عليه السلام - سجد في إذا السماء انشقت " وإسلامه متأخر، قدم على النبي - عليه السلام - في السنة السابعة من الهجرة.

                                                وقال ابن عبد البر: حديث ابن عباس حديث منكر، وأبو قدامة ليس بشيء، وأبو هريرة لم يصحب النبي - عليه السلام - إلا في المدينة، وقد رآه يسجد في الانشقاق والقلم




                                                الخدمات العلمية