الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2133 2134 2135 2136 ص: وقد اختلف في ذلك المتقدمون، فروي عنهم في ذلك:

                                                ما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود وروح، قالا: ثنا شعبة، قال: أنبأني سعد بن إبراهيم، قال: سمعت ابن أخت لنا يقال له: عبد الله بن ثعلبة قال: "صلى بنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الصبح فيما أعلم. ثم قال سعد: صلى بنا الصبح فقرأ بالحج وسجد فيها سجدتين".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح ، قال: ثنا حماد ، قال: ثنا علي بن زيد ، عن صفوان بن محرز: "أن أبا موسى الأشعري سجد فيها سجدتين".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا روح ، قال: ثنا مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر مثله.

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو داود ، قال: ثنا شعبة ، عن يزيد بن خمير ، قال: سمعت عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، وخالد بن معدان ، يحدثان، عن جبير بن نفير: " أنه رأى أبا الدرداء يسجد في الحج ) سجدتين". .

                                                حدثنا أبو بكرة ، وابن مرزوق ، قالا: ثنا أبو عامر ، قال: ثنا سفيان ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال في سجود الحج: " ) : الأولى عزمة والأخرى تعليم".

                                                فبقول ابن عباس هذا نأخذ إلا ما خالفه النظر أن السجدة في نفسها ليست بواجبة، وجميع ما ذهبنا إليه في هذا الباب مما جاءت به الآثار قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد رحمهم الله.

                                                [ ص: 532 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 532 ] ش: أي قد اختلف المتقدمون من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم - في سجدة الحج هل هي واحدة أم سجدتان، فروي عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو وأبي الدرداء وأبي العالية وزر بن حبيش وأن في الحج سجدتين، وإليه ذهب مالك في رواية وأحمد في قول والشافعي وعبد الله بن وهب وابن سريج .

                                                وروي عن ابن عباس أن فيها سجدة واحدة وهي الأولى، وإليه ذهب سعيد بن جبير والحسن البصري وإبراهيم النخعي وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب والأعمش وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ومحمد رحمهم الله.

                                                قوله: "فروي عنهم في ذلك" أي روي عن المتقدمين في سجود الحج، فأخرج في ذلك عن عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعري ، وعبد الله بن عمر وأبي الدرداء وابن عباس - رضي الله عنهم -.

                                                أما أثر عمر - رضي الله عنه - فأخرجه بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي وروح بن عبادة، كلاهما عن شعبة ، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير -ويقال: ابن أبي صعير- بن عمرو الشاعر العذري الصحابي ، عن عمر - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عبد الله بن ثعلبة: "أنه صلى مع عمر بن الخطاب الصبح، فسجد في الحج سجدتين".

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : عن غندر ، عن شعبة ... إلى آخره نحوه.

                                                وأما أثر أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس فأخرجه أيضا بإسناد صحيح، عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن روح بن عبادة ، عن حماد بن سلمة ، عن

                                                [ ص: 533 ] علي بن زيد بن جدعان ، عن صفوان بن محرز المازني البصري روى له الجماعة سوى أبي داود .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث بكر بن عبد الله المزني ، عن صفوان ابن محرز: "أن أبا موسى سجد في الحج سجدتين".

                                                وأما أثر عبد الله بن عمر فأخرجه أيضا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار ، عن روح بن عبادة ، عن مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه مالك في "موطئه" والبيهقي في "سننه" : من حديث مخرمة بن بكير ، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه سجد في الحج سجدتين".

                                                وأما أثر أبي الدرداء واسمه عويمر بن مالك فأخرجه أيضا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن يزيد بن خمير بن يزيد الرحبي الهمداني أبي عمر الشامي الحمصي روى له الجماعة، البخاري في غير "الصحيح".

                                                عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي أبي حمير الحمصي روى له الجماعة، البخاري في غير "الصحيح".

                                                وعن خالد بن معدان بن الحارث الكلاعي أبي عبد الله الشامي الحمصي روى له الجماعة، كلاهما عن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي أبي عبد الرحمن الشامي الحمصي روى له الجماعة، البخاري في غير "الصحيح".

                                                عن أبي الدرداء .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث شعبة ، عن يزيد بن خمير ، عن

                                                [ ص: 534 ] خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء: "أنه كان يسجد في الحج سجدتين"، رواه عاصم بن علي ، عن شعبة، فقال: عن يزيد، سمعت عبد الرحمن ابن جبير ، عن أبيه.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع ، عن شعبة ، عن يزيد بن خمير ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن أبيه: "أن أبا الدرداء سجد في الحج سجدتين".

                                                وأما أثر ابن عباس فأخرجه أيضا بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الأعلى بن عامر الثعلبي -بالثاء المثلثة والعين المهملة- عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .

                                                فإن قلت: كيف تقول: إنه صحيح الإسناد وقد روي عن أحمد: أن عبد الأعلى الثعلبي ضعيف. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي؟!

                                                قلت: وثقه يحيى بن معين والطحاوي وروى له الأربعة.

                                                قوله: "عزمة" أي حق وواجب، وبه يحتج من يذهب إلى وجوب سجدة التلاوة.

                                                وقال الطحاوي: "فبقول ابن عباس نأخذ" يعني في كون السجدة في الأولى من الحج إلا ما خالفه النظر -أي: القياس- من أن السجدة في نفسها ليست بواجبة لما أقام عليه من البرهان فيما مضى، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية