الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2343 ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - عليه السلام - ركب فرسا فصرع عنه، فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعودا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعين".

                                                حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب ، قال: أخبرني الليث ويونس ، عن ابن شهاب . . . فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا صالح، قال: ثنا سعيد ، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا حميد، قال: ثنا أنس بن مالك ، عن رسول الله - عليه السلام -. . . فذكر بإسناده مثله.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أنس . . . إلى آخره.

                                                وأخرجه الجماعة، فقال البخاري : ثنا أبو نعيم ، قال: ثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس قال: "سقط رسول الله - عليه السلام - من فرس، فخدش -أو فجحش- شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة، فصلى قاعدا فصلينا قعودا، وقال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، إذا ركع [ ص: 247 ] فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا" وفي رواية له: "وإذا صلى قائما فصلوا قياما".

                                                وقال مسلم : حدثني حرملة بن يحيى، قال: أنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال: أخبرني أنس بن مالك : "أن رسول الله - عليه السلام - صرع عن فرس فجحش شقه الأيمن. . . " إلى آخره نحوه.

                                                وقال أبو داود : ثنا القعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك : "أن رسول الله - عليه السلام - ركب فرسا فصرع عنده ; فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعودا، فلما انصرف قال: إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون".

                                                وقال الترمذي : حدثنا قتيبة ، قال: ثنا الليث ، عن ابن شهاب ، عن أنس بن مالك قال: "خر رسول الله - عليه السلام -، عن فرس، فجحش، فصلى بنا قاعدا فصلينا معه، ثم انصرف، فقال: إنما الإمام أو إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون".

                                                وقال النسائي : أنا قتيبة ، عن مالك . . . إلى آخره نحو رواية أبي داود .

                                                [ ص: 248 ] وقال ابن ماجه : ثنا هشام بن عمار ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك : "أن النبي- عليه السلام - صرع عن فرس فجحش شقه الأيمن فدخلنا نعوده، فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعدا، وصلينا وراءه قعودا. . . " إلى آخره نحو رواية البخاري .

                                                قوله: "فصرع عنه" أي سقط.

                                                قوله: "فجحش" بضم الجيم وكسر الحاء المهملة وبالشين المعجمة، من الجحش وهو مثل الخدش، وقيل: فوقه، وقال الخطابي : معناه: قد انسحج جلده، وقد يكون ما أصاب رسول الله - عليه السلام - من ذلك السقوط مع الخدش رض في الأعضاء وتوجع فلذلك منعه القيام للصلاة.

                                                وقال ابن الأثير: فجحش، أي: انخدش جلده وانسحج.

                                                فإن قيل: وقع في رواية أبي داود من حديث جابر - رضي الله عنه -: "ركب رسول الله - عليه السلام - فرسا بالمدينة، فصرعه على جذم نخلة فانفكت قدمه. . . " الحديث، فإنه يقتضي انفكاك قدمه - عليه السلام -، وحديث أنس يقتضي قشر الجلد.

                                                قلت: لا مانع من حصول فك القدم وقشر الجلد معا، ويحتمل أنهما واقعتان، والله أعلم.

                                                قوله: "وهو قاعد" جملة اسمية وقعت حالا من الضمير الذي في "فصلى".

                                                قوله: "إنما جعل الإمام" لفظة "إنما" تدل على الحصر عند الإمام فخر الدين وأتباعه، ومعنى الحصر: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه، واختار الآمدي أنها لا تفيد الحصر وإنما تفيد تأكيد الإثبات فقط، ونقله أبو حيان عن البصريين ونقل بعضهم أن الاتفاق على أنها تفيد الحصر، وقد استدل به من يقول: لا تتوقف صحة صلاة المأموم على صحة صلاة الإمام إذا ظهر جنبا أو [ ص: 249 ] محدثا أو عليه نجاسة، وهذا استدلال فاسد لكونه غير مطرد حتى أنه لو ظهر كافرا أو امرأة أو خنثى أو مجنونا، قالوا: يجب الإعادة.

                                                قوله: "قعودا" جمع قاعد، وانتصابه على الحال من الضمير الذي في "وصلينا".

                                                قوله: "قائما"، و "قياما"، و "جالسا"، و "جلوسا" كلها أحوال.

                                                قوله: "أجمعون" تأكيد للضمير المرفوع الذي في قوله: "فصلوا"، فافهم.

                                                الطريق الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى أيضا، عن عبد الله بن وهب أيضا، عن الليث بن سعد ، ويونس بن يزيد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري . . . إلى آخره.

                                                الثالث: عن صالح بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن منصور ، عن هشيم بن بشير ، عن حميد الطويل ، عن أنس .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا يزيد بن هارون ، أنا حميد ، عن أنس : "أن رسول الله - عليه السلام - انفكت قدمه فقعد في مشربة له درجها من جذوع، وآلى من نسائه شهرا، فأتاه أصحابه يعودونه، فصلى بهم قاعدا وهم قيام، فلما حضرت الصلاة الأخرى قال لهم: ائتموا بإمامكم فإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا صلى قاعدا فصلوا معه قعودا، قال: ونزل في تسع وعشرين، فقالوا: يا رسول الله - عليه السلام -، إنك آليت شهرا؟ قال: الشهر تسع وعشرون".




                                                الخدمات العلمية