الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2397 ص: حدثنا محمد بن عمرو بن يونس، قال: ثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "سافرت مع رسول الله - عليه السلام - فأقام تسعة عشر يوما يصلي ركعتين".

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب ، قال: ثنا شعبة (ح).

                                                وحدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم ، قال: ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن شفي قال: "جعل الناس يسألون ابن عباس عن الصلاة، فقال: كان رسول الله - عليه السلام - إذا خرج من أهله لم يصل إلا ركعتين حتى يرجع إليهم".

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا ابن إدريس ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - أقام حيث فتح مكة خمس عشرة يقصر الصلاة".

                                                [ ص: 327 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 327 ] ش: هذه أربعة أسانيد صحاح:

                                                الأول: عن محمد بن عمرو ، عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير ، عن عاصم بن سليمان الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه الجماعة غير مسلم .

                                                فقال البخاري : ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا أبو عوانة ، عن عاصم ، وحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: "أقام النبي - عليه السلام - تسعة عشر يوما يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا".

                                                وقال أبو داود : نا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة -المعنى واحد- قالا: نا حفص ، عن عاصم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة، قال ابن عباس : ومن أقام سبع عشرة قصر ومن أقام أكثر أتم".

                                                قال أبو داود : قال عباد بن منصور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: "أقام تسع عشرة".

                                                وقال الترمذي : وقد روي عن ابن عباس ، عن النبي - عليه السلام -: "أنه أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين، قال ابن عباس : فنحن إذا أقمنا ما بيننا وبين تسع عشرة صلينا ركعتين، وإن زدنا على ذلك أتممنا الصلاة".

                                                وقال النسائي : أنا عبد الرحمن بن الأسود البصري، قال: ثنا محمد بن ربيعة ، عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن حبيب ، عن عراك بن مالك ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - أقام بمكة خمس عشرة يصلي ركعتين ركعتين".

                                                [ ص: 328 ] وقال ابن ماجه : نا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، نا عبد الواحد بن زياد ، نا عاصم الأحول ، عن عكرمة عن ابن عباس قال: "أقام رسول الله - عليه السلام -[سبعة] عشر يوما يصلي ركعتين ركعتين، فنحن إذا أقمنا [سبعة] عشر نصلي ركعتين ركعتين، فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا".

                                                قوله: "فأقام تسعة عشر يوما" أراد أنه أقام بمكة زمن الفتح كما هو مصرح في رواية أبي داود وقد جاء في رواية لأبي داود: "سبع عشرة" كما ذكرنا، وفي أخرى له "خمس عشرة" وفي أخرى له عن عمران بن حصين : "شهدت مع النبي - عليه السلام - يوم الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة لا يصلي إلا ركعتين" وقال أبو داود : وأكثر الروايات "تسع عشرة".

                                                فإن قيل: ما التوفيق بين هذه الروايات؟

                                                قلت: التوفيق بينها أن يكون من قال: "سبعة عشر يوما" لم يعد يوم الدخول ويوم الخروج، ومن قال "تسعة عشر" عدهما، ومن قال: "ثمانية عشر" عد أحدهما.

                                                ثم اعلم أن العلماء اختلفوا في المدة التي إذا نوى المسافر الإقامة فيها لزمه الإتمام على أقوال:

                                                الأول: ما ذكره ابن حزم ، عن سعيد بن جبير أنه قال: إذا وضعت رحلك بأرض فأتم.

                                                وكذا أخرج ابن أبي شيبة "مصنفه" بسند صحيح عن عائشة وطاوس ، [ ص: 329 ] وقال أيضا: ثنا داود ، عن عبد الأعلى ، عن أبي العالية قال: "إذ اطمأن صلى أربعا" يعني نزل.

                                                وعن ابن عباس بسند صحيح مثله.

                                                الثاني: إقامة يوم وليلة حكاه ابن عبد البر عن ربيعة .

                                                الثالث: ثلاثة أيام، قاله ابن المسيب في قول.

                                                الرابع: أربعة أيام، روي ذلك عن الشافعي وأحمد ، وروى مالك ، عن عطاء الخراساني أنه سمع سعيد بن المسيب قال: "من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة، قال مالك : وذلك أحب ما سمعت إلي"

                                                قال أبو عمر : وإلى هذا ذهب الشافعي وهو قوله وقول أصحابه، وبه قال أبو ثور .

                                                وقال الشافعي : ولا يحسب يوم ظعنه ولا يوم نزوله، وحكى إمام الحرمين عن الشافعي : أربعة أيام ولحظة.

                                                الخامس: أكثر من أربعة أيام، ذكره ابن رشد في "القواعد" عن أحمد وداود .

                                                السادس: إقامة اثنين وعشرين صلاة، قاله ابن قدامة في "المغني" وهو مذهب أحمد .

                                                السابع: عشرة أيام، روي ذلك عن علي بن أبي طالب والحسن بن صالح ومحمد بن علي بن حسين .

                                                الثامن: اثني عشر يوما، قال أبو عمر : روى مالك عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه أنه كان يقول: "أقل صلاة المسافر ما لم يجمع مكثا اثنتا عشرة ليلة".

                                                [ ص: 330 ] قال: وروي عن الأوزاعي مثله. ذكره الترمذي في "جامعه". التاسع: ثلاثة عشر يوما، قال أبو عمر : روي ذلك عن الأوزاعي .

                                                العاشر: خمسة عشر يوما، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والليث بن سعد .

                                                وحكاه ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب بسند صحيح.

                                                وقال أيضا: ثنا وكيع ، عن عمر بن ذر ، عن مجاهد : "كان ابن عمر إذا أجمع على إقامة خمس عشرة صلى أربعا".

                                                الحادي عشر: ستة عشر يوما، روي ذلك عن الليث أيضا.

                                                الثاني عشر: سبعة عشر يوما، وهو قول الشافعي في قول.

                                                الثالث عشر: ثمانية عشر يوما، وهو قول للشافعي أيضا.

                                                الرابع عشر: تسعة عشر يوما، قاله إسحاق بن إبراهيم فيما ذكره الطوسي عنه.

                                                الخامس عشر: عشرون يوما، وبه قال ابن حزم .

                                                السادس عشر: يقصر حتى يأتي مصرا من الأمصار، قال أبو عمر : قاله الحسن بن أبي الحسن، قال: ولا أعلم أحدا قاله غيره.

                                                السابع عشر: إحدى وعشرون صلاة، ذكره ابن المنذر عن الإمام أحمد .

                                                الثامن عشر: يقصر مطلقا، ذكره أبو محمد النصري .

                                                التاسع عشر: قال ابن أبي شيبة : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن سماك بن سلمة ، عن ابن عباس قال: "إذا أقمت في بلد خمسة أشهر فقصر الصلاة".

                                                [ ص: 331 ] العشرون: قال أبو بكر : ثنا وكيع ، قال: ثنا مسعر وسفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الرحمن قال: "أقمنا مع سعد بن مالك شهرين بعمان يقصر الصلاة ونحن نتم، فقلنا له، فقال: نحن أعلم".

                                                الحادي والعشرون: قال أبو بكر : ثنا وكيع ، ثنا شعبة ، ثنا أبو التياح ، عن أبي المنهال رجل من عنزة قلت لابن عباس : إني أقيم بالمدينة حولا لا أشد على سير، قال: صل ركعتين".

                                                الثاني والعشرون: روى أبو بكر بسند صحيح، عن سعيد بن جبير : "إذا أراد أن يقيم أكثر من خمسة عشر يوما أتم الصلاة".

                                                الإسناد الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن سعيد بن شفي ذكره ابن حبان في "الثقات".

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن شفي قال: قلت لابن عباس : "إنا قوم كنا إذا سافرنا كان معنا من يكفينا الخدمة من غلماننا فكيف نصلي؟ فقال: كان رسول الله - عليه السلام - إذا سافر صلى ركعتين حتى يرجع، قال: ثم عدت فسألته، فقال مثل ذلك، ثم عدت، فقال لي بعض القوم: أما تعقل؟ أما تسمع ما يقول لك؟! ".

                                                الثالث: عن فهد بن سليمان ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق . . . إلى آخره.

                                                [ ص: 332 ] الرابع: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة شيخ البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجه ، عن محمد بن إدريس بن يزيد الكوفي روى له الجماعة، عن محمد بن إسحاق المدني روى له الجماعة البخاري مستشهدا، ومسلم في المتابعات، عن محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود المدني أحد الفقهاء السبعة روى له الجماعة.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا النفيلي، نا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال: "أقام رسول الله - عليه السلام - عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة".

                                                وابن ماجه : عن أبي يوسف بن الصيدلاني محمد بن أحمد ، نا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - أقام بمكة عام الفتح خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة".

                                                وأخرجه النسائي أيضا.

                                                وقال أبو داود : روى عبدة بن سليمان ، وأحمد بن خالد الوهبي ، وسلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق هذا الحديث ; لم يذكروا فيه ابن عباس .

                                                قلت: أشار بهذا إلى أن هذا الحديث اختلف عن ابن إسحاق ، فروي عنه مسندا وروي عنه مرسلا، وقال البيهقي : الصحيح مرسل.

                                                قلت: الصحيح أنه مسند كما أخرجه الطحاوي والنسائي وابن ماجه ، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية