الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2485 [ ص: 406 ] ص: وأما ما روي عن عائشة - رضي الله عنها - في ذلك فإن أبا بكرة حدثنا، قال: ثنا روح، قال: ثنا ابن جريج ، قال: أنا ابن شهاب ، قال: "قلت لعروة: ما كان يحمل عائشة - رضي الله عنها - على أن تصلي في السفر أربعا؟ قال: تأولت ما تأول عثمان - رضي الله عنه - إتمام الصلاة بمنى".

                                                وقد ذكرنا ما تأول في إتمام عثمان الصلاة بمنى، فكان ما صح من ذلك هو أنه كان من أجل نيته للإقامة، فإن كان من أجل ذلك كانت عائشة تتم الصلاة ; فإنه يجوز أن يكون كانت لا تحضرها صلاة إلا نوت إقامة في ذلك المكان يجب عليها بها إتمام الصلاة، فتتم الصلاة لذلك، فيكون إتمامها وهي في حكم المقيمين لا في حكم المسافرين.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا عطف على قوله: "وأما ما روينا عن ابن عمر - رضي الله عنهما -"، وأراد بذلك الجواب عما روي عن عائشة في إتمامها الصلاة في السفر.

                                                وقوله: "فإن أبا بكر " جواب "أما"، وتقريره ما أخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن روح بن عبادة ، عن عبد الملك بن جريج ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير بن العوام . . . إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم : عن علي بن خشرم ، عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : "أن الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر".

                                                قال الزهري : فقلت لعروة: "ما بال عائشة - رضي الله عنها - تتم في السفر؟ قال: إنها تأولت كما تأول عثمان - رضي الله عنها -".

                                                وقال عياض في "شرح مسلم ": وأشبه ما يقال في فعل عثمان وفعل عائشة : أنهما تأولا أن القصر رخصة غير واجبة، وأخذا بالأتم والأكمل، ومن تأول أنها اعتقدت أنها أم المؤمنين، وعثمان أنه إمامهم فحيث حلا فكأنهما في منازلهم ; يرده [ ص: 407 ] أن النبي - عليه السلام - كان أولى بذلك ولم يتم، وما ذكر في إتمام عائشة أيضا أنها كانت لا ترى القصر إلا في الخوف فهو بعيد ; لأنها أتقى لله أن تخرج في سفر لا يرضاه، وإنما خرجت مجتهدة محتسبة في خروجها للدين أصابت أو أخطأت.

                                                قوله: "فكان ما صح من ذلك" أي مما تأول في إتمام عثمان الصلاة بمنى هو أنه كان من أجل نيته للإقامة، وأشار بذلك إلى أنه اختار هذا الوجه من التأويلات التي أولوها في إتمام عثمان الصلاة بمنى.

                                                فإن قيل: كيف اختار هذا وحكم بصحته، وقد ردوا هذا بأن الإقامة للمهاجر بمكة أكثر من ثلاث حرام؟

                                                قلت: لا يلزم من صحة نية الإقامة الإقامة، فإذا كانت النية صحيحة يكون الإتمام في حال الإقامة.

                                                فإن قيل: كيف ينوي عثمان - رضي الله عنه - الإقامة بمكة مع علمه بأن الإقامة فيها أكثر من ثلاثة أيام حرام للمهاجرين وهو منهم ومن خيارهم؟

                                                قلت: يمكن أن تكون نيته للإقامة بمدة لا تنتهي إلى المدة التي يحرم على المهاجرين الإقامة فيها.

                                                فإن قيل: هذا الذي ذكرته إنما يكون إذا كانت نيته للإقامة أقل من ثلاثة أيام، والمسافر إذا نوى الإقامة في بلده أقل من خمسة عشر يوما لا تصح نيته، ولا يصير بذلك مقيما.

                                                قلت: هذا على مذهبك، أما على مذهب غيرك فتجوز نية الإقامة في أقل من ذلك حتى عند الشافعي ومالك وأحمد ، وأبي ثور يجوز نية الإقامة بأربعة أيام، وعن سعيد بن المسيب : تصح نية الإقامة بثلاثة أيام، وعن ربيعة: بيوم وليلة، وعن سعيد بن جبير : "إذا وضعت رحلك بأرض فأتم" وروي ذلك عن ابن عباس وعائشة وطاوس - رضي الله عنهم -.

                                                [ ص: 408 ] قوله: "فإن كان من أجل ذلك" أي: فإن كان إتمام عثمان الصلاة بمنى من أجل نيته للإقامة وكانت عائشة - رضي الله عنها - لا تحضرها صلاة إلا وهي تنوي الإقامة في ذلك المكان فتتم الصلاة لذلك، فإذا كان كذلك يكون إتمامها والحال أنها في حكم المقيمين لا في حكم المسافرين، ومن كانت حالته حالة المقيمين يتم صلاته، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية