الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2604 ص: وقد زعم القائل بحديث ذي اليدين : أن خبر الواحد تقوم به الحجة ، ويجب به العمل ، فقد أخبر ذو اليدين رسول الله - عليه السلام - بما أخبره به ، وهو رجل من أصحابه مأمون ، فالتفت بعد إخباره إياه بذلك إلى أصحابه فقال : أقصرت الصلاة ؟ فكان متكلما بذلك بعد علمه بأنه في الصلاة على مذهب هذا المخالف لنا ، فلم يكن ذلك مخرجا له من الصلاة ، فقد لزمه بهذا على أصله أن ذلك الكلام كان قبل نسخ الكلام في الصلاة .

                                                التالي السابق


                                                ش: القائل بحديث ذي اليدين هو ربيعة ومالك والشافعي وأحمد ، وقال القاضي عياض : المشهور عن مالك وأصحابه الأخذ بحديث ذي اليدين ، فإذا كان معمولا به فلا يكون منسوخا ، وإن كان كلام النبي - عليه السلام - كان على يقين [ ص: 68 ] أنه أتم الصلاة ، وكلام ذي اليدين على ظن أنه قصر الصلاة ، وكلام القوم كان لوجوب إجابة النبي - عليه السلام - أو على تأويل ذي اليدين ، أو لعلهم لم يسمعوا جواب النبي - عليه السلام - له ، وعلى كل حال لم يكن كلام كل منهم قاطعا للصلاة انتهى .

                                                ثم اعلم أن مذهب فقهاء الأمصار أن خبر الواحد تقوم به الحجة ويجب به العمل في أمور الدين ، ولكن لا يثبت علم اليقين ، وعند بعض أهل الحديث يثبت بخبر الواحد علم اليقين ، ثم منهم من اعتبر فيه عدد الشهادة ليكون حجة ، ومنهم من اعتبر أقصى عدد الشهادة وهو أربعة ، فإذا كان الأمر كذلك فقد قال القائل بخبر ذي اليدين : إن خبر الواحد تقوم به الحجة ويجب به الحمل ، فقال الطحاوي -رحمه الله- في جواب هذا : فقد أخبر ذو اليدين رسول الله - عليه السلام - بما أخبره به أي بالذي أخبر رسول الله - عليه السلام - به "وهو رجل " أي : والحال أنه رجل "من أصحابه مأمون " ، "فالتفت " أي : النبي - عليه السلام - "بعد إخباره إياه " أي : بعد إخبار ذي اليدين "إياه " أي : النبي - عليه السلام - "بذلك " ، وقوله "إلى أصحابه " يتعلق بقوله : "فالتفت " فقال ذو اليدين للنبي - عليه السلام - : "أقصرت الصلاة ؟ فكان متكلما بذلك " أي : بقوله : "أقصرت الصلاة " بعد علمه بأنه في الصلاة ، على مذهب هذا المخالف " وهو القائل بحديث ذي اليدين "فلم يكن ذلك " أي : قوله : "أقصرت الصلاة " مخرجا له من الصلاة ، فقد لزمه أي : إذا كان الأمر كذلك فقد لزم هذا المخالف بهذا أي : بالذي ذكرناه على أصله : أن ذلك الكلام كان قبل نسخ الكلام في الصلاة ، وأنه كان حين كان الكلام مباحا .




                                                الخدمات العلمية