الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2654 2655 2656 2657 2658 2659 2660 ص: حدثنا أبو بشر الرقي ، قال : ثنا شجاع بن الوليد ، عن سليمان بن مهران ، عن مسلم بن صبيح ، عن مسروق ، أنه قال : تذاكروا عند عائشة - رضي الله عنها - ما يقطع الصلاة ؟ فقالوا : يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة فقالت عائشة - رضي الله عنها - : لقد عدلتمونا بالكلاب والحمير ، وقد كان رسول الله - عليه السلام - يصلي في وسط السرير وأنا عليه مضطجعة ، والسرير بينه وبين القبلة فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس بين يديه فأؤذيه فأنسل من قبل رجلي انسلالا " . [ ص: 133 ] حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب ، وبشر بن عمر ، عن شعبة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : " كان رسول الله - عليه السلام - يصلي وأنا بينه وبين القبلة ، فإذا أردت أن أقوم كرهت أن أقوم بين يديه ، فأنسل انسلالا " .

                                                حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عبد الله بن مسلمة ، قال : ثنا مالك ، عن أبي النضر (ح).

                                                وحدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، وأشهب ، عن مالك عن أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت :" كنت أمد رجلي في قبلة رسول الله - عليه السلام -وهو يصلي ; فإذا سجد غمزني فرفعتهما فقبضتهما فإذا قام مددتهما " .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا عبد الله بن رجاء ، قال : أنا زائدة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، قال : أخبرتني عائشة - رضي الله عنها - : " أن رسول الله - عليه السلام - كان يصلي وهي معترضة أمامه في القبلة ، فإذا أراد أن يوتر غمزها برجله فقال : تنحي " .

                                                حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس ، البصري ، قال : ثنا المقري ، قال : ثنا موسى بن أيوب ، عن عمه إياس بن عامر الغافقي ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : " كان رسول الله - عليه السلام - يسبح من الليل وعائشة معترضة بينه وبين القبلة " .

                                                حدثنا محمد بن عمرو قال : ثنا عبد الله بن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله - عليه السلام - يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي يرقد عليه هو وأهله ، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوتر " .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه سبع طرق صحاح ، ستة منها عن نفس عائشة ، وواحد عن علي بن أبي طالب في قضية عائشة :

                                                الأول : عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، عن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني روى له الجماعة ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح -بضم الصاد وفتح الباء الموحدة- العطار الكوفي روى له الجماعة . [ ص: 134 ] عن مسروق بن الأجدع روى له الجماعة . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا إسماعيل بن خليل ، ثنا علي بن مسهر ، عن الأعمش ، عن مسلم -يعني بن صبيح- عن مسروق ، عن عائشة : "أنه ذكر عندها ما يقطع الصلاة ، فقالوا : يقطعها الكلب والحمار والمرأة ، قالت : لقد جعلتمونا كلابا ; لقد رأيت النبي - عليه السلام - يصلي وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير ، فتكون لي الحاجة فأكره أن أستقبله فأنسل انسلالا " .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا عمرو الناقد وأبو سعيد الأشج ، قالا : ثنا حفص بن غياث .

                                                ونا عمر بن حفص بن غياث -واللفظ له- قال : ثنا أبي ، قال : نا الأعمش ، قال : نا إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة - رضي الله عنها - .

                                                قال : وحدثني مسلم بن صبيح ، عن مسروق ، عن عائشة : "وذكر عندها ما يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة ، فقالت عائشة : قد شبهتمونا بالحمير والكلاب ، والله لقد رأيت رسول الله - عليه السلام - يصلي وأني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة ، فتبدو لي الحاجة فأكره أن أجلس فأؤذي رسول الله - عليه السلام - ، فأنسل من عند رجليه " .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير بن حازم وبشر بن عمر بن الحكم الزهراني ، كلاهما عن شعبة بن الحجاج ، عن منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد ، عن عائشة .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : "عدلتمونا بالكلاب والحمر ; لقد رأيتني [ ص: 135 ] مضطجعة على السرير فيجيء رسول الله - عليه السلام - فيتوسط السرير ، فيصلي فأكره أن أسنحه ، فأنسل من قبل رجلي السرير ، حتى أنسل من لحافي " .

                                                الثالث : عن صالح بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن مسلمة القعنبي شيخ الشيخين وأبي داود ، عن مالك بن أنس ، عن أبي النضر -بالنون والضاد المعجمة- سالم بن أبي أمية القرشي عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عائشة .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف ، قال : أنا مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة زوج النبي - عليه السلام - أنها قالت : "كنت أنام بين يدي رسول الله - عليه السلام - ورجلاي في قبلته ، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي ، فإذا قام بسطتهما ، قالت : والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح " .

                                                الرابع : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، وأشهب بن عبد العزيز القيسي ، كلاهما عن مالك . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مسلم : عن يحيى بن يحيى ، عن مالك . . . إلى آخره ، نحو رواية البخاري .

                                                الخامس : عن محمد بن خزيمة بن راشد ، عن عبد الله بن رجاء الغداني البصري شيخ البخاري ، عن زائدة بن قدامة ، عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن ، عن عائشة .

                                                وأخرجه أبو داود : نا عثمان بن أبي شيبة ، نا محمد بن بشر .

                                                ونا القعنبي ، نا عبد العزيز يعني بن محمد وهذا لفظه عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن عائشة أنها قالت : "كنت أنام وأنا معترضة في قبلة رسول الله - عليه السلام - ، فيصلي رسول الله - عليه السلام - وأنا أمامه ، إذا أراد أن يوتر -زاد عثمان : غمزني ثم اتفقا- فقال تنحي " . [ ص: 136 ] السادس : عن إبراهيم بن محمد بن يونس البصري مولى عثمان بن عفان نزيل مصر ، عن عبد الله بن يزيد المقرئ شيخ البخاري ، عن موسى بن أيوب الغافقي المصري وثقه يحيى وأبو داود ، عن عمه إياس بن عامر الغافقي وثقه ابن حبان ، عن علي بن أبي طالب .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا عبد الرحمن ، نا موسى بن أيوب . . . إلى آخره نحوه سواء .

                                                السابع : عن محمد بن عمرو بن يونس الثعلبي المعروف بالسوسي ، عن عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام ، عن عائشة .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا مسدد ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا هشام ، حدثني أبي ، عن عائشة قالت : "كان النبي - عليه السلام - يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه ، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا أحمد بن يونس ، نا زهير ، نا هشام بن عروة ، عن عروة ، عن عائشة قالت : "إن النبي - عليه السلام - كان يصلي وهي معترضة بينه وبين القبلة راقدة على الفراش الذي يرقد عليه ، حتى إذا أراد أن يوتر أيقظها فأوترت " .

                                                وأخرجه ابن ماجه أيضا .

                                                قوله : "لقد عدلتمونا " أي لقد سويتمونا بالكلاب ، من قولك عدلته بهذا إذا سويت بينهما ، وكذلك عادلت .

                                                قوله : "وقد كان رسول الله - عليه السلام - يصلي في وسط السرير " وفي بعض النسخ : "يصلي وسط السرير ، بدون كلمة "في " وكذا رواية السراج في "مسنده " ، والوسط [ ص: 137 ] بفتح السين لأن كل ما متصل كالدار والرأس فهو بالفتح ، وكل ما كان متفرق الأجزاء غير متصل كالناس والدواب وغير ذلك فهو بالسكون ، ولهذا يسكن السين في قوله : "الجالس وسط الحلقة ملعون " ويقال كل ما يصلح فيه "بين " فهو بالسكون ، وما لا يصلح فيه "بين " فهو بالفتح ، وقيل : كل منهما يقع موقع الآخر .

                                                قوله : "وأنا عليه مضطجعة " جملة اسمية وقعت حالا .

                                                قوله : "فتبدو لي الحاجة " أي تظهر لي الحاجة ، وفي رواية السراج : "فتكون لي الحاجة " .

                                                قوله : "فأنسل " أي أمضي بتأن وتدريج ، وهو من الانسلال وثلاثية سل ، من سللت الشيء أسله سلا ، يقال : سللت السيف واستللته بمعنى ; قاله الجوهري .

                                                قوله : "انسلالا " نصب على أنه مفعول ، لقوله فأنسل .

                                                قوله : "لقد رأيتني " أي لقد رأيت نفسي .

                                                قوله : "أن أسنحه " بالحاء المهملة ، أي أكره أن أستقبله ببدني في صلاته ، من سنح لي الشيء : إذا عرض ، ومنه السانح ضد البارح .

                                                قوله : "غمزني " من غمزت الشيء بيدي ، قاله الجوهري ، وأنشد :

                                                وكنت إذا غمزت قناة قوم . . . كسرت كعوبها أو تستقيما

                                                وغمزته بعيني ; قال تعالى : وإذا مروا بهم يتغامزون والمراد به ها هنا الغمز باليد .

                                                وفيه حجة لأصحابنا لأن الأصل في الرجل أن تكون بغير حائل ; عرفا وكذلك اليد ; كذا قال ابن بطال ، وقال : وقول الشافعي : كان غمزه إياها على ثوب فيه بعد . انتهى . [ ص: 138 ] وأيضا من الجائز أن يمس منها عضوا بغير حائل ; لأن المكان إذا كان بغير مصباح لا يتأتى فيه الاحتراز كما إذا كان فيه مصباح ، والنبي - عليه السلام - في هذا المقام في مقام التشريع لا الخصوصية إذ من المعلوم أن الله تعالى عصمه في جميع أفعاله وأقواله .

                                                وقال القاضي عياض : فيه دليل على أن محاذاة المرأة في الصلاة للمصلي غير مفسدة لصلاة الرجل سواء كانت في صلاة معه أم لا خلافا لأبي حنيفة في أن صلاة المحاذي لها من الرجال تفسد .

                                                قلت : يا لله العجب كيف يصدر مثل هذا الكلام عن مثل هذا الرجل من غير تحقيق مذهب أبي حنيفة ، فأبو حنيفة : لم يقل : إن مجرد المحاذاة تفسد صلاة الرجل ، بل المحاذاة المفسدة عنده أن يكون الرجل والمرأة مشتركين في صلاة مطلقة تحريمة وأداء ، وها هنا لم تكن عائشة - رضي الله عنها - شريكة النبي - عليه السلام - في صلاته ، ولا مقيدة به ، وأبو حنيفة أيضا يقول في مثل هذا بعدم الفساد ، فكيف يجعل القاضي الصورة الاتفاقية حجة على من يقول بها ; نصرة لإمامه ومن تبعه ; فافهم .

                                                قوله : "أمامه " بفتح الهمزة أي قدامه .

                                                قوله : "تنحي " أي تحولي وابعدي ، وهو أمر من تنحى يتنحى فللمذكر تنح وللمؤنث تنحي بفتح الحاء وإسكان الياء .

                                                قوله : "يسبح من الليل " أي يتطوع من الليل ، ومنه يقال لصلاة النافلة : سبحة وهي من التسبيح ، كالسخرة من التسخير ، وإنما خصت النافلة بالسبحة ، وإن شاركتها الفريضة في معنى التسبيح ; لأن التسبيحات في الفرائض نوافل ، فقيل لصلاة النافلة سبحة لأنها نافلة كالتسبيحات والأذكار في أنها غير واجبة .

                                                قوله : "على الفراش الذي يرقد هو " أي ينام عليه النبي - عليه السلام - "وأهله " .

                                                قوله : "فأوتر " من قول عائشة إخبار عن نفسها ، أي فأوتر أنا ، ووقع في رواية البخاري : "فأوترت " ، ووقعت الروايتان جميعا في "مسند السراج " . [ ص: 139 ] ويستنبط منها أحكام :

                                                الأول : أن المرأة لا تقطع الصلاة .

                                                الثاني : جواز الصلاة إلى المرأة ، وكرهه البعض لغير النبي - عليه السلام - لخوف الفتنة بها وبذكرها ، وإشغال القلب بها بالنظر إليها ، والنبي - عليه السلام - منزه عن هذا كله ، مع أنه كان بالليل والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ، وهو المختار عندي في هذا الزمان ، وحكم الصبي الأمرد كحكم المرأة في ذلك .

                                                الثالث : جواز الصلاة إلى النائم .

                                                والرابع : استحباب صلاة الليل .

                                                والخامس : جواز الصلاة على السرير من غير كراهة .

                                                والسادس : أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة .

                                                والسابع : إن تأخير الوتر إلى آخر الليل مستحب لمن يثق بالانتباه .



                                                الخدمات العلمية