الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2682 ص: وقد روى الحسن ، عن عمران بن الحصين في حديث النوم عن الصلاة حتى طلعت الشمس "أن رسول الله - عليه السلام - صلاها بهم ، فقلنا : يا رسول الله ألا تقضيها لوقتها من الغد ؟ ؟ . فقال النبي - عليه السلام - : أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم " .

                                                وقد ذكرنا ذلك بإسناده في غير هذا الموضع من هذا الكتاب ، فلما سألوا النبي - عليه السلام - عن ذلك فأجابهم بما ذكرنا ، استحال أن يكون عرفوا أن يقضوها من الغد إلا بمعاينتهم رسول الله - عليه السلام - فعل ذلك فيما تقدم ، أو أمرهم به أمرا فدل ذلك على نسخ ما روى ذو مخمر وسمرة - رضي الله عنهما - ، وإن كان متأخرا عنه فهو أولى منه ; لأنه ناسخ له ، فهذا هو وجه هذا الباب من طريق الآثار .

                                                [ ص: 163 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 163 ] ش: قد ذكر الطحاوي ما رواه الحسن البصري عن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - في باب : "الرجل يدخل في الصلاة الغداة فيصلي منها ركعة ثم تطلع الشمس " عن علي بن شيبة ، عن روح ، عن هشام ، عن الحسن ، عن عمران بن الحصين قال : "سرينا مع النبي - عليه السلام - في غزاة -أو سرية - فلما كان آخر السحر عرسنا ، فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس ، فجعل الرجل منا يثب فزعا دهشا فاستيقظ رسول الله - عليه السلام - فأمرنا فارتحلنا من مسيرنا حتى ارتفعت الشمس ، ثم نزلنا ، فقضى القوم حوائجهم ، ثم أمر بلالا فأذن ، فصلينا ركعتين ، فأقام فصلى الغداة ، فقلنا : يا نبي الله ، ألا نقضيها لوقتها من الغد ؟ فقال النبي - عليه السلام - : أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم ؟! " والمعنى أن الله تعالى أمركم بصلاة واحدة في كل وقت من الأوقات الخمسة ، فإذا فاتت عنكم بنوم أو نسيان أو غير ذلك فأتوا ببدلها ومثلها مرة واحدة ، ولا تصلوا أكثر من ذلك ; لأن ذلك يكون زيادة ، والزيادة على الجنس ربا ، فالله تعالى قد نهاكم عن الربا ، ثم هو كيف يقبله منكم ؟! فدل ذلك على انتساخ حديث ذي مخمر وسمرة بن جندب حيث أخبرا فيه أن القضاء يكون مرتين : مرة إذا ذكرها ، ومرة من الغد للوقت .

                                                بيان ذلك : أن الصحابة - رضي الله عنهم - لما قالوا : يا رسول الله ألا نقضيها لوقتها من الغد ، أجاب النبي - عليه السلام - عن ذلك بشيء يدل على المنع عن ذلك ، ولكن لم يكن سؤالهم ذلك إلا من أحد وجهين : إما أنهم قد عاينوا النبي - عليه السلام - قد فعل ذلك قبل هذا الوقت ، أو كان قد أمرهم بذلك فيما تقدم ، فلذلك سألوا هذا السؤال ، فبدون أحد هذين الوجهين سؤالهم مستحيل ، فلما أجاب النبي - عليه السلام - في هذا الحديث بما أجاب ; دل ذلك على أن حكم حديث ذي مخمر وسمرة قد كان قبل ذلك ، وأنه انتسخ بهذا ; لأن المتأخر ينسخ المتقدم ، فهذا وجه النسخ في هذا الموضع ، فافهم .

                                                وقال الخطابي -رحمه الله - : يشبه أن يكون الأمر بالصلاة حين ذكرها ومن الغد للوقت في حديث ذي مخمر وسمرة للاستحباب ، ليحرز فضيلة الوقت في القضاء عند مصادفة الوقت ، ويقال : ويحتمل أن يكون - عليه السلام - لم يرد إعادة الصلاة المنسية حتى [ ص: 164 ] يصليها مرتين ، وإنما أراد أن هذه الصلاة وإن انتقل وقتها بالنسيان إلى وقت الذكر فإنها باقية على وقتها فيما بعد مع الذكر ; لئلا يظن ظان أن وقتها قد تغير .

                                                قلت : جاء في حديث أبي قتادة في رواية أبي داود : "فليقض معها مثلها " . فهذا يدفع هذا الاحتمال من التأويل ، والجواب القاطع ما ذكره الطحاوي -رحمه الله- .




                                                الخدمات العلمية