الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2694 2695 2696 2697 2698 2699 2700 2701 2702 2703 2704 ص: وقد جاءت عن رسول الله - عليه السلام - آثار متواترة صحيحة المجيء مفسرة المعنى تخبر عن طهارة ذلك بالدباغ ، فما روي في ذلك :

                                                ما حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا إبراهيم بن بشار ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثنا عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : " مر النبي - عليه السلام - بشاة ميتة لميمونة ، فقال : لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا " .

                                                حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أنا أسامة ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس : " أن رسول الله - عليه السلام - قال لأهل شاة ماتت : ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فاستمتعتم به " . [ ص: 177 ] حدثنا أبو بشر الرقي ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، قال : أخبرني عطاء منذ حين ، عن ابن عباس قال : " أخبرتني ميمونة عن شاة ماتت ، فقال النبي - عليه السلام - : هلا دبغتم إهابها فاستمتعتم به " .

                                                حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا شعيب بن الليث ، وأسد بن موسى ، قالا : ثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عطاء بن أبي رباح ، أنه قال : سمعت ابن عباس يقول : " ماتت شاة ، فقال رسول الله - عليه السلام - لأهلها : ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فاستمتعتم به " .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا شعبة ، عن يعقوب بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : " ماتت شاة لميمونة ، فقال رسول الله - عليه السلام - : هلا انتفعتم بإهابها ، قالوا : إنها ميتة ، فقال : إن دباغ الأديم طهوره " .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن وعلة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - عليه السلام - : " أيما إهاب دبغ فقد طهر " .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عثمان بن عمر ، قال : أنا مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن وعلة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله - عليه السلام - قال : " إذا دبغ الأديم فقد طهر " .

                                                حدثنا ربيع الجيزي ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : حدثني زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن وعلة ، أنه قال لابن عباس : "إنا نغزو أرض المغرب ، وإنما أسقيتنا جلود الميتة ، فقال ابن عباس : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : أيما مسك دبغ فقد طهر " .

                                                حدثنا ربيع الجيزي ، قال : حدثني إسحاق بن بكر بن مضر ، قال : ثنا أبي ، عن جعفر بن ربيعة ، أنه سمع أبا الخير يخبر ، عن ابن وعلة ، أنه سأل ابن عباس فقال : " إنا نغزو هذه المغرب ولهم قرب يكون فيها الماء وهم أهل وثن ؟ قال ابن عباس : الدباغ طهور ، فقال : له ابن وعلة : أعن رأيك أم سمعته من رسول الله - عليه السلام - ؟ قال : بل سمعته من رسول الله - عليه السلام - " . [ ص: 178 ] حدثنا ربيع الجيزي ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا عبدة بن سليمان (ح).

                                                وحدثنا إسماعيل بن إسحاق الكوفي ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى العبسي قالا جميعا : عن إسماعيل بن أبي خالد عن عامر ، عن عكرمة عن ابن عباس ، عن سودة زوج النبي - عليه السلام - قالت : "ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ، فما زلنا ننبذ فيه حتى صار شنا " .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد جاءت أحاديث كثيرة عن رسول الله - عليه السلام - صحيحة الأسانيد ظاهرة المعاني تخبر أن جلد الميتة يطهر بالدباغ ، فمن الذي روي في ذلك حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - .

                                                وأخرجه من أحد عشر طريقا :

                                                الأول : عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن إبراهيم بن بشار الرمادي البصري شيخ أبي داود والبخاري في غير "الصحيح " ، وثقه ابن حبان .

                                                عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس .

                                                وهذا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا ابن أبي عمر وعبد الله بن محمد الزهري واللفظ لابن أبي عمر ، قالا : ثنا سفيان ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - مر بشاة مطروحة أعطيتها مولاة لميمونة من الصدقة ، فقال رسول الله - عليه السلام - : ألا أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به " .

                                                قوله : "لو أخذوا إهابها " جواب "لو " محذوف ، أي : لو أخذوا إهاب هذه الشاة الميتة فدبغوه فانتفعوا به لكان خيرا لهم من إلقائه ثم الانتفاع أعم من أن يكون باللبس والفرش واتخاذ الآلة ونحو ذلك . [ ص: 179 ] الثاني : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن أسامة بن زيد الليثي ، عن عطاء ، عن ابن عباس .

                                                وهذا أيضا صحيح .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث ابن وهب ، أخبرني أسامة بن أبي زيد الليثي ، عن عطاء ، عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - قال لأهل شاة ماتت : ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فاستمتعتم به " .

                                                الثالث : عن أبي بشر الرقي عبد الملك بن مروان ، عن حجاج بن محمد الصيصي الأعور ، عن عبد الملك بن جريج ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس .

                                                وهذا أيضا صحيح .

                                                وأخرجه النسائي : أخبرني عبد الرحمن بن خالد القطان الرقي ، ثنا حجاج ، قال : ثنا ابن جريج . . . إلى آخره نحو رواية الطحاوي سواء .

                                                الرابع : عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن شعيب بن الليث وأسد بن موسى ، كلاهما عن الليث بن سعد ، عن يزيد أبي حبيب سويد المصري ، عن عطاء . . . إلى آخره .

                                                وهذا أيضا صحيح .

                                                وأخرجه السراج في "مسنده " : ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا الليث بن سعد . . . إلى آخره نحو رواية الطحاوي سواء متنا وسندا .

                                                الخامس : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن روح بن عبادة ، عن شعبة ، عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح ، عن أبيه عطاء ، عن ابن عباس .

                                                عن أحمد بن يعقوب بن عطاء ، منكر الحديث ، وقال : يحيى وأبو زرعة : ضعيف .

                                                وقال أبو حاتم : ليس بالمتين ، يكتب حديثه . وذكره ابن حبان في "الثقات " . [ ص: 180 ] وأخرجه البزار في "مسنده " : ثنا محمد بن معمر ، والسكن بن سعيد ، قالا : نا روح بن عبادة ، نا شعبة ، نا يعقوب بن عطاء ، عن أبيه ، عن ابن عباس . . . إلى آخره نحو رواية الطحاوي سواء .

                                                قوله : "إن دباغ الأديم " أراد به أن دباغ الإهاب ، أطلق على الإهاب أديما باعتبار ما يؤول ; لأن الأديم اسم للجلد الذي دبغ ، والإهاب اسم للجلد الذي لم يدبغ .

                                                قوله : "طهوره " يجوز فيه فتح الطاء وضمها ، أما الفتح ، فعلى معنى أن الدباغ مطهر له ، وأما الضم فعلى معنى أن الدباغ طهارة له .

                                                السادس : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان بن عيينة ، عن زيد بن أسلم القرشي المدني ، عن عبد الرحمن بن وعلة السبئي المصري ، عن ابن عباس .

                                                وهذا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه مسلم : نا يحيى بن يحيى ، قال : أخبرني سليمان بن بلال ، عن زيد بن أسلم ، أن عبد الرحمن بن وعلة أخبره ، عن عبد الله بن عباس ، قال : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : "إذا دبغ الإهاب فقد طهر " .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا محمد بن كثير ، قال : أنا سفيان ، عن زيد بن أسلم . . . إلى آخره نحو رواية مسلم .

                                                وأخرجه النسائي : أنا قتيبة وعلي بن حجر ، عن سفيان ، عن زيد بن أسلم . . . إلى آخره نحو رواية الطحاوي .

                                                وأخرج الترمذي أيضا نحوه . [ ص: 181 ] قوله : "أيما إهاب دبغ " يتناول سائر الأهب من جلود الميتات وغيرها ، حتى إن بعضهم ذهب إلى أن جلد الخنزير أيضا يطهر بالدباغ ; لعموم اللفظ ، وروي ذلك عن أبي يوسف أيضا .

                                                قلنا : لم يكن من عادتهم اقتناء الخنازير حتى تموت فيدبغوا جلودها ، ولأن نجاسة الخنزير ليست لما فيه من الدم والرطوبة بل هو نجس العين ، فكان وجود الدباغ في حقه وعدمه بمنزلة واحدة ، وقيل : إن جلده لا يحتمل الدباغ ; لأن له جلودا مترادفة بعضها فوق بعض كما للآدمي ، وقال بعضهم : ولا يتناول الحديث الكلب أيضا ; لأنه لم يكن من عاداتهم استعمال جلده .

                                                قلنا : لا يلزم من ترك استعمالهم جلد الكلب أن لا يطهر جلده بالدباغ ; فالحديث يتناول جلده أيضا لكونه قابلا للدباغ .

                                                فإن قيل : ما تقول في جلد الآدمي على هذا العموم ؟

                                                قلت : إنما منع ذلك في جلد الآدمي لكرامته واحترامه . وقال القاضي عياض : وقال بعضهم : بل يخص هذا العموم بقوله : "دباغ الأديم ذكاته " فأحل الذكاة محل الدباغ ، فوجب أن لا يؤثر الدباغ إلا فيما تؤثر فيه الذكاة ، والذكاة إنما تؤثر عند هؤلاء فيما يستباح لحمه ; لأن قصد الشرع بها استباحة اللحم ; فإذا لم يستبح اللحم لم تصح الذكاة ، وإذا لم تصح الذكاة لم يصح الدباغ المشبه به ، وقد أشار بعض من انتصر لمذهب مالك إلى سلوك هذه الطريقة ، فرأى أن التحريم يتأكد في الخنزير ، واختص بنص القرآن عليه ، فلهذا لم تعمل الذكاة فيه ، فلما تقاصر عنه في التحريم ، ما سواه لم يلحق به في الدباغ تأثيرا، وقد سلك هذه الطريقة أيضا أصحاب الشافعي ، ورأوا أن الكلب أخص في الشرع بتغليظ لم يرد فيما سواه من الحيوان وألحق بالخنزير .

                                                قلت : ذهب بعض أصحابنا المحققين إلى هذا ، فقالوا : إن الذكاة تحل محل الدباغ فوجب أن يؤثر الدباغ فيما تؤثر فيه الذكاة ، والذكاة عندهم تؤثر في التطهير لا في استباحة اللحم ، حتى لو ذبح الحمار أو الكلب يطهر ، فإذا كان الأمر كذلك أثر [ ص: 182 ] الدباغ في جلد كل حيوان ولا يستثنى منه غير الخنزير لنجاسة عينه ، والآدمي لكرامته ، والله أعلم .

                                                السابع : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عثمان بن عمر بن فارس البصري ، عن مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن وعلة . . . إلى آخره .

                                                وهذا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه مالك في "موطإه " ولفظه : "إذا دبغ الإهاب فقد طهر " .

                                                الثامن : عن ربيع بن سليمان الجيزي شيخ أبي داود والنسائي ، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم شيخ البخاري ، عن أبي غسان محمد بن مطرف بن داود الليثي المدني نزيل عسقلان ، روى له الجماعة . . . إلى آخره .

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : حدثني عفان ، نا حماد بن سلمة ، ثنا زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن وعلة ، قال : "قلت لابن عباس : إنا لنغزو هذا المغرب وأكثر أسقيتهم الميتة -وربما قال حماد : وعامة أسقيتهم الميتة - قال : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : دباغها طهورها " .

                                                قوله : "وإنما أسقيتنا " الأسقية جمع سقاء -بالكسر- وهو الدلو .

                                                قوله : "أيما مسك " بفتح الميم ، وهو الجلد .

                                                التاسع : عن ربيع بن سليمان الجيزي الأعرج ، عن إسحاق بن بكر بن مضر ، عن أبيه بكر بن مضر بن محمد المصري ، عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي المصري ، عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني المصري ، عن عبد الرحمن بن وعلة .

                                                وهذا إسناد صحيح . [ ص: 183 ] وأخرجه مسلم : حدثني إسحاق بن منصور وأبو بكر بن إسحاق ، عن عمرو بن الربيع ، قال : أنا يحيى بن أيوب ، عن جعفر بن ربيعة ، عن أبي الخير حدثه ، قال : حدثني ابن وعلة السبئي ، قال : "سألت عبد الله بن عباس ، قلت : إنا نكون بالمغرب فيأتينا المجوس بالأسقية فيها الماء والودك ؟ فقال : اشرب ، فقلت : أرأي تراه ؟ فقال ابن عباس : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : دباغه طهوره " .

                                                وأخرجه النسائي : أخبرني الربيع بن سليمان ، ثنا إسحاق بن بكر . . . إلى آخره نحو رواية الطحاوي .

                                                وأخرجه السراج في "مسنده " : ثنا الحسن بن عبد العزيز الجروي ، ثنا عبد الله بن يوسف ، ثنا بكر بن مضر . . . إلى آخره نحوه .

                                                قوله : "وهم أهل وثن " وهو الصنم ، والجمع : وثن وأوثان ، مثل أسد وآساد ، ويقال : الوثن : ما يعمل من الجلد ونحوهما ، والصنم ما يعمل من الخشب والفضة والذهب ونحوها .

                                                العاشر : عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى أسد السنة ، عن عبدة ابن سليمان الكلابي الكوفي ، عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي ، عن عامر الشعبي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس .

                                                وهذا أيضا صحيح .

                                                وأخرجه النسائي : أنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ، أنا الفضل بن موسى ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن النبي ، عن عكرمة . . . إلى آخره نحوه سواء .

                                                وأخرجه البخاري أيضا . [ ص: 184 ] الحادي عشر : عن إسماعيل بن إسحاق بن سهل الكوفي المعروف بترنجة نزيل مصر ، عن عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي -بالعين المهملة ، والباء الموحدة ، والسين المهملة- شيخ البخاري .

                                                عن إسماعيل بن أبي خالد . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا ابن نمير ، عن إسماعيل ، عن عامر ، عن عكرمة عن ابن عباس . . . إلى آخره نحوه .

                                                قوله : "ننبذ " من نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا وانتبذته : اتخذته نبيذا ، وسواء كان مسكرا أو غير مسكر فإنه يقال له : نبيذ . ويقال للخمر المعتصر من العنب : نبيذ ، كما يقال للنبيذ خمر .

                                                قوله : "حتى صار شنا " الشن -بفتح الشين المعجمة وتشديد النون- القربة البالية .




                                                الخدمات العلمية