الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2763 ص: وقد حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني ، قال : ثنا أبو بكر بن أبي مريم ، عن راشد بن سعد ، عن نافع ، قال : " خرج عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وأنا معه على جنازة فرأى معها نساء ، فوقف ثم قال : ردهن فإنهن فتنة الحي والميت ، ثم مضى فمشى خلفها ، فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، كيف المشي في الجنازة ، أمامها أم خلفها ؟ فقال : أما تراني أمشي خلفها ؟! "

                                                فهذا عبد الله بن عمر لما سئل عن المشي في الجنازة أجاب سائله أنه خلفها ، وهو الذي روينا عنه في هذا الباب أن رسول الله - عليه السلام - كان يمشي أمامها ، فدل ذلك أن رسول الله - عليه السلام - كان يفعل ذلك على جهة التخفيف على الناس ليعلمهم أن المشي خلف الجنازة وإن كان أفضل من المشي أمامها ليس هو مما لا بد منه ولا مما لا يحرج تاركه ، ولكنه مما له أن يفعله ويفعل غيره ، وكذلك ما روي عن ابن عمر من ذلك ، فروى عنه سالم أنه كان يمشي أمام الجنازة ، فدل ذلك أيضا على إباحة المشي أمامها لا على أن ذلك أفضل من المشي خلفها ، ثم روى عنه نافع أنه مشى خلفها فدل ذلك أيضا على إباحة المشي خلفها لا على أن ذلك أفضل من غيره ، فلما سأله أخبره بالمشي [ ص: 260 ] الذي ينبغي أن يفعل في الجنازة أنه خلفها على أنه هو الذي أفضل من غيره ، وقد روينا في حديث البراء أن النبي - عليه السلام - أمرهم باتباع الجنازة ، والأغلب من معنى ذلك هو المشي خلفها أيضا ، فصار بذلك من حق الجنازة اتباعها ، والصلاة عليها ، فكان المصلي عليها يكون في صلاته متأخرا عنها فالنظر على ذلك أن يكون المتبع لها في اتباعه متأخرا عنها ، فهذا هو النظر مع ما قد وافقه من الآثار .

                                                التالي السابق


                                                ش: أخرج أثر عبد الله بن عمر لمعنيين :

                                                الأول : لما فيه دلالة صريحة على أن المشي خلف الجنازة أفضل .

                                                والثاني : ليوفق بين ما روي عنه من فعله وبين ما رواه عن النبي - عليه السلام - أنه كان يمشي أمامها ، وأشار إلى ذلك بقوله : "فهذا عبد الله بن عمر لما سئل . . . . " إلى قوله : "ويفعل غيره " وهو ظاهر .

                                                قوله : "وكذلك ما روى عن ابن عمر . . . . إلى آخره " إشارة أيضا إلى بيان وجه التوفيق بين ما رواه سالم عنه أنه كان يمشي أمام الجنازة ، وبين ما رواه نافع عنه هذا .

                                                قوله : "وقد روينا في حديث البراء . . . . إلى آخره " أشار به إلى بيان أن النظر والقياس أيضا يقتضي أفضلية المشي خلف الجنازة ، بيان ذلك : أن النبي - عليه السلام - أمر باتباع الجنازة ، والأغلب في معنى الاتباع المشي خلفها كما قد ذكرنا فيما مضى ، ومن الاتباع الصلاة عليها ، ولا تكون الصلاة عليها إلا والجنازة بين يديه وهو يتأخر عنها ، فالنظر والقياس على ذلك أن يكون المتبع لها في اتباعه متأخرا عنها ، وتكون هي بين يديه .

                                                فهذا هو الذي يقتضيه القياس مع موافقة الآثار له في هذا المعنى .

                                                ثم إنه أخرج أثر عبد الله بن عمر ، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أبي اليمان الحكم بن نافع البهراني شيخ البخاري ونسبته إلى بهرا -بالباء الموحدة- ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، وزيدت فيه النون على خلاف القياس كما في الصنعاني ، والقياس : بهراوي وصنعاوي . [ ص: 261 ] عن أبي بكر بن أبي مريم الغساني قيل : اسمه بكير بن عبد الله بن أبي مريم ، وقيل : عبد السلام ، وهو مشهور بكنيته ، ضعفه يحيى بن معين ، وعن دحيم : حمصي من كبار شيوخ حمص وفي حديثه بعض ما فيه . وقال ابن حبان : كان من خيار أهل الشام ولكن كان رديء الحفظ ، يحدث بالشيء فيهم ، ويكثر من ذلك حتى استحق الترك .

                                                وهو يروي عن راشد بن سعد المقرائي ، ويقال : الحبراني الحمصي ، قال يحيى وأبو حاتم والعجلي والنسائي : ثقة . وروى له الأربعة .

                                                عن نافع مولى ابن عمر - رضي الله عنهما - .

                                                واستفيد منه : أن المشي خلف الجنازة أفضل ، وأن النساء يمنعن من اتباعها ، وقال ابن المنذر : روينا عن ابن مسعود وابن عمر وعائشة وأبي أمامة : أنهم كرهوا ذلك للنساء -أي : اتباع الجنازة- وكرهه أيضا إبراهيم والحسن ومسروق وابن سيرين والأوزاعي وأحمد وإسحاق ، وقال الثوري : اتباع النساء للجنائز بدعة ، وعن أبي حنيفة : لا ينبغي ذلك للنساء ، وروي إجازة ذلك عن ابن العباس والقاسم وسالم والزهري وربيعة وأبي الزناد ، ورخص فيه مالك .

                                                وقال القرطبي : كرهه مالك للشابة ، وأجازه لغيرها ، ونقل العبدري عن مالك : يكره إلا أن يكون الميت ولدها أو والدها أو زوجها ، وكانت ممن يخرج مثلها لمثله ، وعند الشافعي مكروه .




                                                الخدمات العلمية