الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2809 2810 ص: وقد حدثنا يونس ، قال : أنا ابن وهب ، قال : حدثني أنس بن عياض ، عن أنيس بن أبي يحيى ، قال : سمعت أبي يقول : "كان ابن عمر وأصحاب النبي - عليه السلام - يجلسون قبل أن توضع الجنازة " . [ ص: 300 ] فهذا ابن عمر قد كان يفعل هذا ، وقد روى عن عامر بن ربيعة عن النبي - عليه السلام - خلاف ذلك فدل تركه لذلك إلى ما كان يفعل على ثبوت نسخ ما حدثه عامر بن ربيعة .

                                                حدثنا يونس أيضا ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه : " أن القاسم كان يجلس قبل أن توضع الجنازة ولا يقوم لها ، ، ويخبر عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : كان أهل الجاهلية يقومون لها إذا رأوها ، ويقولون : في أهلك ما أنت ، في أهلك ما أنت " .

                                                فهذه عائشة تنكر القيام لها أصلا ، وتخبر أن ذلك كان من أفعال أهل الجاهلية وكان أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد رحمهم الله يذهبون في كل ما ذكرنا في هذا الباب إلى ما قد بينا نسخه لما قد خالفه ، وبه نأخذ .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا تأييدا لما ذكره من انتساخ حكم القيام للجنازة ، وانتساخ الأحاديث التي دلت على ذلك ، وذكر شيئين :

                                                أحدهما : أن عبد الله بن عمر كان يجلس قبل أن توضع الجنازة .

                                                أخرج ذلك بإسناد صحيح ، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن أنس بن عياض بن ضمرة المدني روى له الجماعة ، عن أنيس بن أبي يحيى سمعان الأسلمي المدني وثقه يحيى والنسائي والحاكم ، عن أبيه أبي يحيى سمعان بن يحيى الأسلمي المدني وثقه ابن حبان وروى له الأربعة .

                                                وأبو يحيى هذا أخبر عن ابن عمر أنه كان يجلس قبل أن توضع الجنازة ، والحال أن ابن عمر قد روى عن عامر بن ربيعة عن النبي - عليه السلام - خلاف ذلك ، فدل تركه لما رواه إلى ما كان فعله من تركه القيام قبل وضع الجنازة على ثبوت انتساخ ما حدث به عن عامر ، عن النبي - عليه السلام - ; لأن الراوي لا يجوز له أن يعمل بخلاف ما روى إلا بعد ثبوت النسخ عنده . [ ص: 301 ] والآخر : أن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنهم - كان يجلس قبل أن توضع الجنازة ولا يقوم لها ، وكان يخبر عن عمته عائشة أم المؤمنين أنها كانت تنكر القيام للجنازة أصلا وتقول : إن ذلك كان من أفعال الجاهلية . فدل هذا أيضا على ثبوت النسخ ; إذ لو لم يثبت ذلك عند القاسم لما خالف ذلك ، ولو لم يثبت عن عائشة أيضا لما أنكرته ، والله أعلم .

                                                ثم إسناد أثر القاسم صحيح ورجاله كلهم رجال الصحيح .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث عمرو بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن القاسم : "أن القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة ، ويجلس قبل أن توضع ، ولا يقوم لها ، ويخبر عن عائشة أنها قالت : كان أهل الجاهلية يقومون لها إذا رأوها ، ويقولون : في أهلك ما أنت ، في أهلك ما أنت " .

                                                قوله : "وكان أبو حنيفة . . . إلى آخره " فيه أن مذهب أبي حنيفة وصاحبيه انتساخ القيام للجنازة وقبل وضعها عن أعناق الرجال ، وأنه لا يستحب القيام لها ، ولا يكره الجلوس قبل وضعها ، وقد ذكر في كتب الحنفية : ويكره الجلوس قبل وضعها عن أعناق الرجال . وبين الكلامين مخالفة ولكن القول ما قاله الطحاوي ; لأنه الأعلم بمذاهب العلماء .




                                                الخدمات العلمية