الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2877 2878 2879 2880 2881 2882 ص: وكان من الحجة لهم على مخالفيهم : أن الذي في حديث جابر إنما هو أن النبي - عليه السلام - لم يصل عليهم ، فقد يجوز أن يكون تركه ذلك لأن سنتهم أن لا يصلى عليهم كما كان من سنتهم أن لا يغسلوا ، ويجوز أن يكون لم يصل عليهم وصلى عليهم غيره ; لما كان به حينئذ من ألم الجراح وكسر الرباعية وما أصابه يومئذ من المشركين .

                                                فإنه حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي حازم ، وسعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن أبي حازم -قال سعيد في حديثه : سمعت سهل بن سعد ، وقال ابن أبي حازم- : عن سهل : " أنه سئل عن وجه رسول الله - عليه السلام - يوم أحد بأي شيء دووي ؟ قال سهل : كسرت البيضة على رأسه ، وكسرت رباعيته ، وجرح وجهه ، وكانت فاطمة - رضي الله عنها - تغسله وكان علي - رضي الله عنه - يسكب الماء بالمجن ، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقتها ولصقتها على جرحه فاستمسك الدم . يختلف لفظ ابن أبي حازم 5 وسعيد في هذا الحديث والمعنى واحد " . [ ص: 380 ] حدثنا يونس ، قال : ثنا عبد الله بن نافع ، عن هشام ، عن أبي حازم ، عن سهل : " أن النبي - عليه السلام - أصيب يوم أحد في وجهه بجرح ، وأن فاطمة ابنته - رضي الله عنها - أحرقت قطعة من حصير فجعلته رمادا وألصقته على وجهه ، وقال النبي - عليه السلام - : اشتد غضب الله -عز وجل- على قوم دموا وجه رسول الله - عليه السلام - " .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : أنا أبو غسان ، قال : حدثني أبو حازم ، عن سهل بن سعد ، قال : " هشمت البيضة على رأس رسول الله - عليه السلام - يوم أحد ، وكسرت رباعيته ، وجرح وجهه " .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أنا خالد بن عبد الله ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن النبي - عليه السلام - قال : " اشتد غضب الله على قوم دموا وجه رسول الله - عليه السلام - ، وكانوا قد دموا وجهه يومئذ وهشموا عليه البيضة ، وكسروا رباعيته " .

                                                حدثنا عبد الله بن محمد بن حشيش ، قال : ثنا القعنبي ، قال : ثنا حماد ، عن ثابت البناني ، عن أنس - رضي الله عنه - : " أن رسول الله - عليه السلام - كسرت رباعيته يوم أحد وشج في وجهه ; فجعل يسلت الدم عن وجهه ويقول : كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله -عز وجل- ؟! فأنزل الله -عز وجل- : ليس لك من الأمر شيء " .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي كان من الدليل للأخرين على أهل المقالة الأولى ، وأراد به الجواب عن حديث جابر الذي احتجت به أهل المقالة الأولى ، بيانه : أن ترك النبي - عليه السلام - الصلاة عليهم يومئذ يحتمل وجهين :

                                                الأول : أنه يحتمل أنه - عليه السلام - ترك الصلاة عليهم ; لكون السنة في حقهم ترك الصلاة عليهم كما كانت السنة في حقهم ترك غسلهم فيكون ذلك مخصوصا بهم .

                                                والثاني : يحتمل أن يكون - عليه السلام - لم يصل عليهم لأمر منعه ، ولا يستلزم ذلك نفي صلاة غيره عليهم ، وذلك لكون النبي - عليه السلام - مشغولا بنفسه في ذلك اليوم غير متفرغ [ ص: 381 ] للصلاة عليهم ; لما قد حصل له فيه من ألم الجراحة وكسر رباعيته وما أصابه يومئذ من أذى المشركين .

                                                والدليل على ذلك : ما روي عن سهل بن سعد وأبي هريرة وأنس بن مالك - رضي الله عنهم - .

                                                أما حديث سهل فأخرجه من ثلاث طرق صحاح :

                                                الأول : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، واسم أبي حازم سلمة بن دينار المدني ، روى له الجماعة .

                                                وعن سعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله الجمحي المدني ، روى له مسلم ، وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، كلاهما يرويان عن أبي حازم الأعرج الأفزر التمار المدني القاص الزاهد الحكيم روى له الجماعة ، عن سهل بن سعد بن مالك الأنصاري الساعدي له ولأبيه صحبة .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا يعقوب ، عن أبي حازم : "أنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله - عليه السلام - ، فقال : أما والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله - عليه السلام - ومن كان يسكب الماء بالمجن ، وبما دووي ، قال : كانت فاطمة بنت رسول الله - عليه السلام - تغسله ، وعلي بن أبي طالب يسكب الماء بالمجن ، فلما رأت فاطمة - رضي الله عنها - أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة ، أخذت قطعة من حصير فأحرقتها وألصقتها ، فاستمسك الدم ، وكسرت رباعيته يومئذ ، وجرح وجهه ، وكسرت البيضة على رأسه " .

                                                وأخرجه مسلم : نا يحيى بن يحيى ، قال : نا عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه : "أنه سمع سهل بن سعد يسأل عن جرح رسول الله - عليه السلام - يوم أحد ، فقال : جرح وجه رسول الله - عليه السلام - ، وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، فكانت [ ص: 382 ] فاطمة ابنة رسول الله - عليه السلام - تغسل الدم ، وكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يسكب عليها بالمجن ، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ، وألصقته بالجرح ، فاستمسك الدم " .

                                                الثاني : عن يونس أيضا ، عن عبد الله بن نافع الصائغ القرشي المدني ، عن هشام بن سعد المدني ، عن أبي حازم سلمة بن دينار . . . إلى آخره .

                                                وأخرج الطبراني نحوه : ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، ثنا داود بن عمرو الضبي ، ثنا زهرة بن عمرو بن معبد التيمي ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : "شهدت النبي - عليه السلام - حين كسرت رباعيته وجرح وجهه وهشمت البيضة على رأسه; وإني لأعرف من يغسل الدم عن وجهه ، ومن ينقل عليه الماء ، وماذا جعل على وجهه حتى رقأ الدم ; كانت فاطمة بنت محمد رسول الله - عليه السلام - تغسل الدم عن وجهه ، وعلي - رضي الله عنه - ينقل الماء عليها في مجنة ، فلما غسلت الدم عن وجه أبيها أحرقت حصيرا حتى إذا صارت رمادا أخذت من ذلك الرماد فوضعته على وجهه حتى رقأ الدم ، ثم قال يومئذ : اشتد غضب الله على قوم كلموا وجه رسول الله ، ثم مكث ساعة ، ثم قال : اللهم اغفر لقومي ; فإنهم لا يعلمون " .

                                                الثالث : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن الحكم بن أبي مريم شيخ البخاري ، عن أبي غسان محمد بن مطرف الليثي المدني نزيل عسقلان ، عن أبي حازم سلمة بن دينار . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا محمد بن سهل التميمي ، قال : حدثني ابن أبي مريم ، قال : ثنا محمد يعني ابن مطرف ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد نحوه .

                                                وأما حديث أبي هريرة فأخرجه بإسناد صحيح : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن عمرو بن عون بن أوس السلمي أبي عثمان الواسطي البزاز روى له [ ص: 383 ] الجماعة ، عن خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن الواسطي الطحان روى له الجماعة ، عن محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني روى له الجماعة مسلم في المتابعات والبخاري مقرونا بغيره ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف روى له الجماعة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .

                                                وأما حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - فأخرجه أيضا بإسناد صحيح : عن عبد الله بن محمد بن خشيش -بالمعجمات وضم الأول- عن عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي شيخ البخاري وأبي داود ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس .

                                                وأخرجه مسلم : عن القعنبي ، عن حماد بن سلمة . . . إلى آخره .

                                                قوله : "بأي شيء دووي " بواوين ، ووقع في بعض النسخ بواو واحدة ، فتكون الأخرى محذوفة كما حذفت من داود وطاوس .

                                                قوله : "البيضة " بفتح الباء ، وهي الخوذة .

                                                قوله : "رباعيته " بفتح الراء ، قال الجوهري : الرباعية مثل الثمانية : السنن الذي بين الثنية والناب ، والجمع : رباعيات .

                                                قوله : "بالمجن " وبكسر الميم ، وهو الترس ، والميم زائدة ; لأنه من الجنة : وهي السترة .

                                                قوله : "هشمت " أي كسرت ، من الهشم وهو الكسر .

                                                قوله : "دموا " بتشديد الميم بمعنى أدموا ، ويروى كذا أيضا .

                                                قوله : "كلموا " أي جرحوا ، من الكلم وهو الجرح ، ومنه اشتقاق الكلام .

                                                قوله : "تسلت الدم " أي تميطه وتمسحه عن خده ، يقال سلتت المرأة خضابها عن يديها إذا ألقت عنها العصم ، والعصم -بضم العين- : بقية كل شيء ، وأثره من القطران والخضاب ونحوهما . [ ص: 384 ] فإن قيل : ممن كان الشج وكسر الرباعية لرسول الله - عليه السلام - ؟ .

                                                قلت : زعم ابن سعد أن عتبة بن أبي وقاص شج النبي - عليه السلام - في وجهه ، وأصاب رباعيته . وزعم السهيلي أن عبد الله بن قمئة هو الذي جرح وجه رسول الله - عليه السلام - .




                                                الخدمات العلمية