الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3015 3016 3017 ص: وقد روى سمرة - رضي الله عنه - ، مثل ذلك عن رسول الله - عليه السلام - .

                                                [ ص: 33 ] حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا عفان بن مسلم ، قال : ثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن عقبة ، قال : سمعت سمرة بن جندب ، عن النبي - عليه السلام - قال : "المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه ، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك ، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان ، أو يسأل [في] أمر لا يجد منه بدا " .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب ، قال : ثنا شعبة . . . فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا سعيد بن منصور ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن عقبة ، عن سمرة بن جندب ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله- : فقد أباح هذا الحديث المسألة في كل أمر لا بد من المسألة فيه ، فدخل في ذلك ما أبيحت فيه المسألة في حديث قبيصة ، وزاد هذا الحديث عليه ما سوى ذلك من الأمور التي لا بد منها ، وفي ذلك إباحة المسألة بالحاجة الخاصة لا بالزمانة .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : قد روى سمرة بن جندب - رضي الله عنه - حديث قبيصة بن المخارق في دلالته على عدم تقييد جواز السؤال بزمانة ونحوها ، بل زاد سمرة في حديثه على حديث قبيصة ، فإن حديثه أباح المسألة في كل أمر لا يجد منه بدا ، فقد دخل فيه ما في حديث قبيصة وزاد عليه ما هو من الأمور التي لا بد منها ، وفي هذا أيضا إباحة السؤال بالحاجة خاصة لا بالزمانة ونحوها ، فافهم .

                                                ثم إنه أخرج حديث سمرة من ثلاث طرق صحاح :

                                                الأول : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عفان بن مسلم الصفار ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير بن سويد القرشي الكوفي ، عن زيد بن عقبة الفزاري وثقه العجلي والنسائي وابن حبان ، وروى له أبو داود والنسائي والترمذي .

                                                عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - .

                                                [ ص: 34 ] وأخرجه أبو داود : ثنا حفص بن عمر النمري ، ثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير . . . إلى آخره نحوه سواء .

                                                وأخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

                                                الثاني : عن إبراهيم بن مرزوق أيضا ، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن شعبة ، عن عبد الملك بن عمير . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا وكيع ، نا سفيان وابن جعفر ، قالا : نا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن عقبة ، عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "إن هذه المسائل كد يكد بها أحدكم وجهه ، وقال ابن جعفر : كدوح يكدح بها الرجل إلا أن يسأل ذا سلطان أو في أمر لا بد منه " .

                                                وأخرجه النسائي أيضا .

                                                الثالث : عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن منصور الخراساني ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري روى له الجماعة ، عن عبد الملك بن عمير بن سويد القرشي ، روى له الجماعة .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير " : ثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا عارم أبو النعمان ، ثنا أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن زيد بن عقبة ، عن سمرة بن جندب ، قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "هذه المسائل كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل ذا سلطان ، أو في أمر لا يجد منه بدا " .

                                                [ ص: 35 ] قوله : "المسائل " مبتدأ ، وخبره قوله : "كدوح " . أي : كدوح في وجهه ، كما في حديث آخر : "جاءت مسألته كدوحا في وجهه " .

                                                فإن قيل : كيف تكون عين المسائل كدوحا ؟

                                                قلت : التقدير : المسائل جالبة للكدوح ، فلما كانت المسائل جالبة للكدوح قطعا جعلت عين الكدوح للمبالغة ، كما في قولهم : رجل عدل .

                                                والكدوح : جمع كدح ، وهو كل أثر من خدش أو عض ، ويجوز أن يكون مصدرا سمي به الأثر ، فعلى هذا تقدير الكلام : المسائل كادحة ، ذكر المصدر وأريد به الفاعل للمبالغة .

                                                فإن قيل : ما معنى تخصيص الوجه بالذكر من بين سائر الأعضاء ؟

                                                قلت : لأن السائل أول ما يستقبل بوجهه فلذلك اختص بهذا الفعل ; ولأن الكدوح في الوجه أبشع وأفظع .

                                                قوله : "إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان " أي : ذا يد وقوة ، مثل الخلفاء والملوك ومن يلي من جهتهم .

                                                قوله : "لا يجد منه بدا " أي : فراقا أراد أمرا لا يستغني عنه .

                                                ويستفاد منه : حرمة السؤال لغير الحاجة والضرورة ، وأنه حرام وعذاب يوم القيامة .

                                                وجواز السؤال من ذي سلطان وإن كان غنيا .

                                                قال الخطابي : وهو أن يسأل حقه من بيت المال الذي في يده ، وليس هذا على معنى استباحة الأموال التي تحويها أيدي بعض السلاطين من غصب أموال الناس .

                                                قلت : اللفظ عام ، يدل على أن الرجل إذا سأل سلطانا ومن في معناه يباح له ذلك ،

                                                [ ص: 36 ] سواء كان حقه من بيت المال أو من غيره بعد أن يعرف أن غالب أمواله من وجه حل ، وكذلك يجوز قبول هدية السلاطين والأمراء إذا كان غالب أموالهم حلالا .

                                                وأما إذا كان غالب أموالهم حراما أو كلها لا يجوز السؤال منهم ولا قبول هديتهم .




                                                الخدمات العلمية