الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3020 ص: وقد روي عن وهب بن خنبش ، عن النبي - عليه السلام - ما قد حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا المعلى بن منصور ، قال : أخبرني يحيى بن سعيد ، قال : أخبرني مجالد ، عن الشعبي ، عن وهب قال : "جاء رجل إلى رسول الله - عليه السلام - وهو واقف بعرفة ، فسأله رداءه فأعطاه إياه ، فذهب به ، ثم قال النبي - عليه السلام - : إن المسألة لا تحل إلا من فقر مدقع ، أو غرم مفظع ، ومن سأل الناس ليثري به ماله ، فإنه خموش في وجهه ، ورضف يأكله من جهنم إن قليل فقليل ، وإن كثير فكثير " .

                                                فأخبر النبي - عليه السلام - أيضا في هذا الحديث : أن المسألة تحل بالفقر والغرم ، فذلك دليل على أنها تحل بهذين المعنيين خاصة ولا يختلف في ذلك حال الزمن وغيره .

                                                التالي السابق


                                                ش: أخرج هذا أيضا شاهدا لما ذكره من أن المسألة تحل بالفقر ولا تقيد بالزمانة ونحوها .

                                                عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، عن المعلى بن منصور الرازي

                                                [ ص: 41 ] أحد أصحاب أبي حنيفة ، روى له الجماعة ، والبخاري روى عنه في غير "الصحيح " وله ذكر في كتاب "الهداية " .

                                                عن يحيى بن سعيد القطان روى له الجماعة ، عن مجالد بن سعيد الكوفي ، فيه مقال ; فعن يحيى : لا يحتج بحديثه . وعنه : ضعيف واهي الحديث . وقال النسائي : ثقة . روى له مسلم مقرونا بغيره والأربعة .

                                                عن عامر الشعبي ، عن وهب ، قيل : هذا هو وهب بن خنبش الطائي الكوفي الصحابي ، وممن صرح بذلك الطحاوي على ما يأتي ، وقيل : وهب هذا غير منسوب .

                                                والدليل عليه ما أخرجه أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة " في ترجمة وهب بن خنبش : ثنا أبو خيثمة ، ثنا وكيع ، ونا زيد بن أخزم ، ثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، قالا : نا سفيان ، عن بيان ، عن الشعبي ، عن وهب بن خنبش ، عن النبي - عليه السلام - قال : " عمرة في رمضان تعدل حجة " .

                                                ثم قال : وهب -ولم ينسب- حدثني ابن الأموي ، حدثني أبي ، عن المجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن وهب قال : "جاء أعرابي إلى النبي - عليه السلام - وهو واقف بعرفة فسأله رداءه . . . " إلى آخره نحو رواية الطحاوي سواء .

                                                قوله : "إلا من فقر مدقع أو غرم مفظع " قد مر تفسير ذلك عن قريب .

                                                قوله : "ليثري " من الإثراء ، وهو الإكثار ، ومعناه : ومن سأل الناس ليكثر بسؤاله ماله ، والثروة : العدد الكثير . وفي الحديث : "ما بعث الله نبيا بعد لوط - عليه السلام - إلا في ثروة من قومه " .

                                                [ ص: 42 ] قوله : "فإنه خموش " أي فإن سؤاله خموش في وجهه يوم القيامة ، والخموش إما جمع خمش ، أو مصدر من خمشت المرأة وجهها تخمشه خمشا وخموشا إذا خدشت ، وهو من باب ضرب يضرب ، ثم إن جعلناه جمعا يكون المعنى : فإن سؤاله يصير خموشا في وجهه ، وإن جعلناه مصدرا يكون المعنى : فإن سؤاله خامش وجهه يوم القيامة ، فافهم .

                                                قوله : "ورضف " بفتح الراء وسكون الضاد المعجمة ، وهو الحجارة المحماة على النار .

                                                قوله : "من جهنم " كلمة "من " فيه بيانية .

                                                قوله : "إن قليل فقليل " مرفوعان بمحذوف ، تقديره : إن وجد من سؤاله قليل فجزاؤه من الخمش وأكل الرضف قليل ، فيكون ارتفاع "قليل " الأول بالفاعلية ، وارتفاع "قليل " الثاني بأنه خبر مبتدأ محذوف ، وكذلك الكلام في إعراب قوله : "وإن كثير فكثير " ويجوز فيه النصب "القليل " الأول "والكثير " الأول ، والمعنى : إن كان سؤاله قليلا فجزاؤه قليل ، وإن كان كثيرا فكثير نحو قولهم : الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخير وإن شرا فشر .




                                                الخدمات العلمية