الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3288 3289 3290 3291 3292 ص: وقد حدثنا الحسن بن عبد الله بن منصور ، قال : ثنا الهيثم بن جميل ، قال : ثنا شريك ، عن جابر ، عن سعد بن عبيدة ، عن أبي عبد الرحمن ، عن علي - رضي الله عنه - : " أن رسول الله - عليه السلام - كان يصوم يوم عاشوراء " .

                                                فقد يجوز أن يكون ذلك أيضا من أجل المعنى الذي ذكره ابن عباس .

                                                وقد حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا إسرائيل ، عن ثوير ، قال : سمعت عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - يقول : "هذا يوم عاشوراء فصوموه ; فإن رسول الله - عليه السلام - كان يأمر بصومه " .

                                                فقد يجوز أن يكون ذلك للعلة التي ذكرناها أيضا .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : ثنا عبيد الله بن ميسرة الواسطي ، قال : ثنا مزيدة بن جابر ، عن أمه : "أن عثمان - رضي الله عنه - استعمل أبا موسى - رضي الله عنه - على الكوفة ، فقال يوم عاشوراء : صوموا هذا اليوم ; فإن رسول الله - عليه السلام - كان يصومه " .

                                                فهذا الحديث يحتمل ما في حديث ابن عباس أيضا .

                                                حدثنا ربيع الجيزي ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن الحر بن الصياح ، عن هنيدة بن خالد ، عن امرأته ، عن بعض أزواج النبي - عليه السلام - : " أن رسول الله - عليه السلام - كان يصوم نصف ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر " .

                                                [ ص: 410 ] فهذا أيضا مثل الذي قبله .

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا الحماني ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : ثنا أبو عميس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى قال : قال النبي - عليه السلام - : "قد كان يوم عاشوراء يوما تصومه اليهود ويتخذونه عيدا ، فصوموه أنتم " .

                                                ففي هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - أمر بصومه ; لأن اليهود كانت تصومه ، وقد أخبر ابن عباس في حديثه بالعلة التي من أجلها كانت اليهود تصومه ، أنها على الشكر منهم لله تعالى في إظهاره موسى - عليه السلام - على فرعون ، وأن رسول الله - عليه السلام - أيضا صامه كذلك ، والصوم للشكر اختيار لا فرض .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذه الأحاديث -وهي حديث علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن الزبير وعثمان بن عفان وبعض أزواج النبي - عليه السلام - وأبي موسى الأشعري - رضي الله عنهم -- إيذانا بأنها محمولة على المعنى الذي ذكره ابن عباس في حديثه من أن رسول الله - عليه السلام - صامه شكرا لله -عز وجل- في إظهاره موسى - عليه السلام - على فرعون ، وأن الصوم الذي يكون للشكر اختيار لا فرض . وفيه ما ذكرناه من المناقشة ، على أن جماعة قد احتجوا بحديث أبي موسى أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا .

                                                أما حديث علي - رضي الله عنه - : فأخرجه عن الحسن بن عبد الله بن منصور بن حبيب أبي علي الأنطاكي المعروف بالبالسي ، عن الهيثم بن جميل البغدادي أبي سهل الحافظ نزيل أنطاكية، وثقه العجلي وابن حبان والدارقطني .

                                                عن شريك بن عبد الله النخعي ، عن جابر بن يزيد الجعفي فيه مقال كثير ، عن سعد بن عبيدة السلمي أبي حمزة الكوفي ختن أبي عبد الرحمن السلمي على ابنته روى له الجماعة .

                                                عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب بن ربيعة -بالتصغير- السلمي الكوفي القارئ ، ولأبيه صحبة ، روى له الجماعة .

                                                [ ص: 411 ] وأخرجه البزار في "مسنده " : ثنا تميم بن المنتصر الواسطي ، نا إسحاق بن يوسف ، عن شريك .

                                                ونا الفضل بن يعقوب الرخامي ، قال : ثنا الهيثم بن جميل ، عن شريك . . . إلى آخره نحوه .

                                                وأما حديث عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - : فأخرجه عن فهد بن سليمان ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري ، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي روى له الجماعة ، عن ثوير بن أبي فاختة واسمه سعيد بن علاقة القرشي الكوفي فيه مقال ، وعن سفيان : كان ثوير من أركان الكذب . وعن يحيى بن معين : ليس بشيء ، وعنه ضعيف . وقال الدارقطني : متروك . وقال يونس بن أبي إسحاق : كان رافضيا ، روى له الترمذي .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا حسين بن محمد ، نا إسرائيل ، عن ثوير قال : سمعت عبد الله بن الزبير وهو على المنبر يقول : "هذا يوم عاشوراء فصوموا ; فإن رسول الله - عليه السلام - أمر بصومه " .

                                                وأما حديث عثمان - رضي الله عنه - : فأخرجه عن محمد بن خزيمة ، عن مسلم بن إبراهيم القصاب البصري شيخ البخاري وأبي داود ، عن عبد الله بن ميسرة أبي ليلى الحارثي الكوفي ويقال : الواسطي ، فيه مقال ، قال أحمد وابن معين : ضعيف الحديث . وقال أبو زرعة : واهي الحديث ضعيف الحديث . وقال أبو حاتم : ليس بشيء . وقال النسائي : ليس بثقة . وذكره ابن حبان في "الثقات " .

                                                عن مزيدة بن جابر من أهل هجر ، ذكر ابن حبان في "الثقات " عن أمه، وفي بعض نسخ الطحاوي : عن أبيه وهو الأكثر ، وقال في "التكميل " : مزيدة بن جابر ، عن أبيه وأمه، قال أحمد : معروف . وقال أبو زرعة : ليس بشيء . وأبوه جابر ذكره ابن حبان في "الثقات " من التابعين ، وأما أمه فلم يقع لي اسمها ما هو ولا حالها .

                                                [ ص: 412 ] وأما حديث بعض أزواج النبي - عليه السلام - : فأخرجه عن الربيع بن سليمان الجيزي ، عن أسد بن موسى أسد السنة ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري روى له الجماعة ، عن الحر بن الصياح -بفتح الصاد المهملة وتشديد الياء آخر الحروف وفي آخرها حاء مهملة - النخعي الكوفي ، قال يحيى وأبو حاتم والنسائي : ثقة . روى له أبو داود والنسائي ، عن هنيدة -بضم الهاء وفتح النون ، وسكون الياء آخر الحروف- بن خالد الخزاعي ويقال : النخعي ، وكانت أمه تحت عمر بن الخطاب ، روى عن أمه وقيل : عن امرأته على اختلاف في ذلك ، وهما مجهولتان ، قاله المنذري .

                                                والحديث أخرجه النسائي : أخبرني أحمد بن يحيى ، عن أبي نعيم قال : ثنا أبو عوانة ، عن الحر بن الصياح ، عن هنيدة بن خالد عن امرأته، عن بعض أزواج النبي - عليه السلام - : "أن رسول الله - عليه السلام - كان يصوم تسعا من ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر ، أول إثنين من الشهر وخميسين .

                                                وأخرجه أبو داود من حديث هنيدة الخزاعي عن أمه قالت : "دخلت على أم سلمة - رضي الله عنه - فسألتها عن الصيام فقالت : كان رسول الله - عليه السلام - يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الإثنين والخميس والخميس " .

                                                وأما حديث أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري - رضي الله عنه - : فأخرجه عن فهد بن سليمان ، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني ، عن أبي أسامة حماد بن أسامة بن زيد القرشي الكوفي روى له الجماعة ، عن أبي عميس عتبة بن عبد الله المسعودي الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة ، روى له الجماعة ، عن قيس بن مسلم الجدلي أبي عمرو الكوفي روى له الجماعة ، عن طارق بن شهاب بن عبد شمس البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي الصحابي ، قال أبو داود : رأى النبي - عليه السلام - ولم يسمع منه شيئا .

                                                [ ص: 413 ] وأخرجه البخاري : ثنا علي بن عبد الله ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن أبي عميس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى قال : "كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا ، قال النبي - عليه السلام - : فصوموه أنتم " .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير ، قالا : ثنا أبو أسامة ، عن أبي عميس ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، عن أبي موسى قال : "كان يوم عاشوراء يوما تعظمه اليهود وتتخذه عيدا ، فقال رسول الله - عليه السلام - : صوموه أنتم " . وفي لفظ له قال : "كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء يتخذونه عيدا ويلبسون فيه نساءهم حليهم وشارتهم ، فقال رسول الله - عليه السلام - : فصوموه أنتم " .




                                                الخدمات العلمية