الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3397 3398 3399 3400 ص: وقد روي عن المتقدمين في ذلك :

                                                ما حدثنا سليمان بن شعيب ، قال : ثنا بشر بن بكر ، قال : حدثني الأوزاعي ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن سالم الدوسي ، عن سعد بن أبي وقاص ، وسأله رجل : "أتباشر وأنت صائم ؟ فقال : نعم " .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار : " أن عبد الله بن عباس سئل عن القبلة للصائم ، فرخص فيها للشيخ ، وكرهها للشاب " .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن أبي النضر ، أن عائشة بنت طلحة أخبرته : "أنها كانت عند عائشة زوج النبي - عليه السلام - فدخل عليها زوجها عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهم - وهو صائم ، فقالت عائشة : ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها ؟ قال : أقبلها وأنا صائم ؟ فقالت له عائشة : نعم " .

                                                حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا شعيب ، قال : ثنا الليث ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن أبي مرة مولى عقيل ، عن حكيم بن عقال أنه قال : " سألت عائشة - رضي الله عنها - ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم ؟ قالت : فرجها " .

                                                فهذه عائشة تقول فيما يحرم على الصائم من امرأته وما يحل له منها ما قد ذكرنا ، فدل ذلك على أن القبلة كانت مباحة عندها للصائم الذي يأمن على نفسه ومكروهة لغيره ، ليس لأنها حرام عليه ، ولكنه لا يأمن إذا فعلها من أن تغلبه شهوته حتى يقع فيما يحرم عليه .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : قد روي عن الصحابة والتابعين في حكم القبلة للصائم .

                                                [ ص: 516 ] وأخرج في ذلك عن ثلاثة من الصحابة وهم : سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عباس وعائشة - رضي الله عنهم - في أن حكمها الإباحة ، وأخرج عن ثعلبة بن صعير وعلي بن أبي طالب في أن حكمها [ . . . . ] .

                                                أما أثر سعد بن أبي وقاص فأخرجه بإسناد صحيح : عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن بشر بن بكر التنيسي عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير الطائي ، عن سالم بن عبد الله النصري -بالنون والصاد المهملة- وهو سالم سبلان ، وهو سالم الدوسي ، وهو سالم مولى المهري ، وهو سالم مولى دوس ، وهو سالم مولى النصريين ، وهو سالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصري ، قال أبو حاتم : شيخ . روى له مسلم والأربعة غير الترمذي .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن سالم الدوسي : " قال رجل لسعد : يا أبا إسحاق ، أتباشر وأنت صائم ؟ قال : نعم ، وآخذ بجهازها " .

                                                وأخرجه ابن حزم ، وفي لفظه : قال : نعم ، وأقبض على متاعها .

                                                وأما أثر ابن عباس فكذلك أخرجه بإسناد صحيح .

                                                وأخرجه مالك في "موطإه " .

                                                وقال أبو عمر في "شرحه " : وكره مالك القبلة للصائم في رمضان للشيخ والشاب ، ولم يذهب فيها إلى ما رواه عن زيد بن أسلم هذا .

                                                وفي "شرح المهذب " : عن مالك إباحة القبلة في النفل دون الفرض ، ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا أن ينزل بالقبلة .

                                                [ ص: 517 ] وأما أثر عائشة - رضي الله عنها - فأخرجه من طريقين صحيحين :

                                                الأول : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك عن أبي النضر -واسمه سالم - بن أبي أمية القرشي التيمي روى له الجماعة ، عن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله القرشية المدنية - وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وكانت من أجمل نساء قريش ، أصدقها مصعب بن الزبير ألف ألف درهم ، وذلك بعد أن مات زوجها ابن خالها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق روى لها الجماعة .

                                                وأخرجه عبد الرزاق : عن مالك . . . إلى آخره نحوه .

                                                الثاني : عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن شعيب بن الليث ، عن الليث ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن أبي مرة -اسمه يزيد - مولى عقيل بن أبي طالب روى له الجماعة ، عن حكيم بن عقال العجلي البصري وثقه ابن حبان .

                                                وبنحو ذلك أخرج ابن حزم في "المحلى " : من طريق معمر ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة ، عن مسروق قال : " سألت عائشة أم المؤمنين : ما يحل للرجل من امرأته صائما ؟ فقالت : كل شيء إلا الجماع " .




                                                الخدمات العلمية