الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3725 ص: حدثنا أبو بكرة وعلي بن معبد ، قالا : ثنا مكي بن إبراهيم ، قال : ثنا داود بن يزيد الأودي ، قال : سمعت عبد الملك بن ميسرة الزراد ، قال : سمعت النزال بن سبرة [ ص: 237 ] يقول : سمعت سراقة بن مالك يقول : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال : وقرن رسول الله - عليه السلام - في حجة الوداع" .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا أيضا من جملة الحج في تفضيل القران وأن رسول الله - عليه السلام - كان قارنا في حجة الوداع ؛ لأن سراقة بن مالك قد صرح في حديثه بأنه - عليه السلام - قرن في حجة الوداع ، أخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي وعلي بن معبد بن نوح المصري كلاهما عن مكي بن إبراهيم بن بشير البلخي شيخ البخاري عن داود بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الزعافري الكوفي الأعرج فيه مقال فعن أحمد وابن معين : ضعيف وعنه : ليس حديثه بشيء ، وعن النسائي ليس بثقة ، روى له أبو داود وابن ماجه وهو يروي عن عبد الملك ميسرة الهلالي الزراد - وهو الذي يعمل الزرد - أبو سعد عن النزال بن سبرة الهلالي الكوفي قال العجلي : كوفي تابعي ثقة من كبار التابعين وفي "التهذيب" : مختلف في صحبته ، عن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، من مشاهير الصحابة ، وهو الذي لحق النبي - عليه السلام - وأبا بكر - رضي الله عنه - حين خرجا مهاجرين إلى المدينة فدعا النبي - عليه السلام - فارتطمت فرسه إلى بطنها ثم دعا له فنجاه الله ، وقصته مشهورة .

                                                فإن قيل : هذا الحديث ضعيف لأن فيه داود بن يزيد ولا يصلح الاستدلال به ، قلت : قال ابن عدي : لم أر له حديثا منكرا جاوز الحد إذا روى عنه ثقة وإن كان ليس بقوي في الحديث ، فإنه يكتب حديثه ويقبل .

                                                فهذا كما ترى قد روى عنه مكي بن إبراهيم وهو ثقة بالاتفاق فيقبل حديثه حينئذ .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير" : نا محمد بن عبد الله الحضرمي نا سعيد بن عمرو الأشعثي نا يونس بن بكير نا داود بن يزيد الأودي عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة عن سراقة بن مالك بن جعشم قال : "أهل رسول الله - عليه السلام - بحجة وعمرة وسمعته يقول : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" .

                                                [ ص: 238 ] قوله : "دخلت العمرة في الحج" معناه دخل وقت العمرة في وقت الحج ؛ لأن سبب ذلك أنهم كانوا يعدون العمرة في وقت الحج من أفجر الفجور ، ثم رخص لهم النبي - عليه السلام - ، فقال : "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" أي دخل وقت العمرة في وقت الحج - وهو أشهر الحج ، وقد استدل الشافعي بهذا على أن القارن يطوف للعمرة والحج طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا لأن معناه عنده دخل إحرام العمرة في إحرام الحج ، قلنا : معنى الحديث يحتمل ما ذكرناه ويحتمل ما ذكره فلا يكون حجة على دعواه مع الاحتمال .

                                                وروى عبد الرزاق : عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه : "أنه سئل عن قول رسول الله - عليه السلام - دخلت العمرة في الحج ، فقال هو الرجل يفرد الحج ويذبح ، فقد دخلت له عمرة في الحج فوجبتا له جميعا والله أعلم .

                                                واستدل به بعض أصحابنا على أن العمرة ليست فريضة ؛ لأن معناه : دخل فرض العمرة في فرض الحج على معنى أن فرضها قد سقط بالحج ثم اعلم أن الطحاوي كما ترى قد أخرج في تفضيل القران وأن النبي - عليه السلام - كان قارنا أحاديث عن عشرة أنفس من الصحابة - رضي الله عنهم - وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعمران بن حصين وأنس بن مالك - بعدة طرق - وأبو طلحة وسراقة بن مالك وعائشة وأم سلمة زوجا النبي - عليه السلام - .

                                                وفي الباب أيضا عن أبي قتادة وجابر ومعاوية والهرماس بن زياد وأبي هريرة .

                                                أما حديث أبي قتادة فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا حفص ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : سمعت عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه يقول : "إنما قرن رسول الله - عليه السلام - لأنه أخبر أنه ليس بحاج بعدها" .

                                                [ ص: 239 ] وأخرجه الحاكم وقال : صحيح على شرطهما ولم يخرجاه .

                                                وأما حديث جابر فأخرجه الترمذي محسنا عنه : "أن رسول الله - عليه السلام - قرن الحج والعمرة" .

                                                قال أبو حاتم الرازي : هذا حديث منكر بهذا الإسناد .

                                                وأما حديث معاوية فأخرجه أبو داود : من حديث أبي شيخ خيوان : "أن معاوية قال للصحابة : هل تعلمون أن النبي - عليه السلام - نهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ فقالوا : لا" .

                                                وأما حديث الهرماس بن زياد فأخرجه الكجي في "سننه" : ثنا سليمان بن داود ، نا يحيى بن ضريس ، عن عكرمة بن عمار ، عن الهرماس بن زياد ، قال : "سمعت النبي - عليه السلام - على ناقته قال : لبيك حجة وعمرة معا" .

                                                وأما حديث أبي هريرة فأخرجه " مسلم " عنه عن النبي - عليه السلام - : "والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا أو ليثنيهما" .

                                                فهؤلاء خمسة عشر صحابيا رووا القران عن النبي - عليه السلام - .

                                                وقال الخطابي : جواز القران بين الحج والعمرة إجماع من الأئمة ، ولا يجوز أن يتفقوا على جواز شيء نهي عنه ، والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية