الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                201 ص: قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فذكر عبد الله بن عمرو أنهم كانوا يمسحون حتى أمرهم رسول الله - عليه السلام - بإسباغ الوضوء، وخوفهم فقال: "ويل للأعقاب من النار" فدل ذلك أن حكم المسح الذي كانوا يفعلونه قد نسخه ما تأخر عنه مما ذكرنا، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار.

                                                التالي السابق


                                                ش: المفهوم من كلامه أن معنى قوله: "ونمسح على أرجلنا" هو أنهم كانوا يمسحون عليها مثل مسح الرأس، ثم إن رسول الله - عليه السلام - منعهم عن ذلك، وأمرهم بالغسل، فهذا يدل على انتساخ ما كانوا يفعلونه من المسح، ولكن فيه ما فيه; لأن قوله: "ونمسح على أرجلنا" يحتمل أن يكون معناه نغسل غسلا خفيفا مبقعا حتى يرى كأنه مسح، والدليل عليه ما في الرواية الأخرى: "رأى قوما توضئوا وكأنهم تركوا من أرجلهم شيئا" فهذا يدل على أنهم كانوا يغسلون، ولكن غسلا قريبا من المسح، فلذلك قال لهم: "أسبغوا الوضوء" وأيضا إنما يكون الوعيد على ترك الفرض، ولو لم يكن الغسل في الأول فرضا عندهم لما توجه الوعيد; لأن المسح لو كان هو المعمول فيما بينهم كان يأمرهم بتركه وانتقالهم إلى الغسل بدون الوعيد، ومن ذلك قال القاضي عياض : معناه نغسل كما ذكرناه آنفا. والصواب أن يقال: إن أمر رسول الله - عليه السلام - بإسباغ الوضوء، ووعيده وإنكاره عليهم في ذلك الغسل [ ص: 347 ] يدل على أن وظيفة الرجلين هو الغسل الوافي، لا الغسل المشابه للمسح كغسل هؤلاء، وما روي من الأحاديث التي فيها المسح صريحا فقد أجبنا عنها في أول الباب، وقول عياض وقد أمرهم بالغسل بقوله: "أسبغوا الوضوء" غير مسلم ; لأن الأمر بالإسباغ أمر بتكميل الغسل، والأمر بالغسل فهم من الوعيد; لأنه لا يكون إلا في ترك واجب، فلما فهم ذلك من الوعيد أكده بقوله: "أسبغوا الوضوء" ولهذا ترك العاطف فوقع هذا تأكيدا عاما يشمل الرجلين وغيرهما من أعضاء الوضوء; لأنه لم يقل: أسبغوا الرجلين، بل قال: أسبغوا الوضوء، والوضوء هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، ومطلوبية الإسباغ غير مختصة بالرجلين، فكما أنه مطلوب فيهما فكذلك هو مطلوب في غيرهما.

                                                فإن قيل: لم ذكر الإسباغ عاما والوعيد خاصا؟

                                                قلت: لأنهم ما قصروا إلا في وظيفة الرجلين; فلذلك ذكر لفظ الأعقاب، فيكون الوعيد في مقابلة ذلك التقصير الخاص، فهذا كله ظهر لي من الأنوار الربانية، وتحقق عندي أنه صواب، فلذلك غيرت هنا ما قلت هناك. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية