الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3855 3856 3857 3858 ص: وقد روي عن رسول الله - عليه السلام - في الحجر أنه من البيت ما حدثنا ربيع المؤذن ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية ، عن الأشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن يزيد ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " سألت رسول الله - عليه السلام - عن الحجر ، ، فقال : هو من البيت ، . فقلت : ما منعهم أن يدخلوه فيه ؟ قال : عجزت بهم النفقة" .

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا الحسن بن الربيع ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن الأشعث ، عن الأسود بن يزيد ، قال : قالت عائشة - رضي الله عنها - : " سألت رسول الله - عليه السلام - عن الحجر : ، أمن البيت هو ؟ قال : نعم . قالت : ما لهم لم يدخلوه في البيت ؟ ؟ قال : إن قومك قصرت بهم النفقة . فقلت : ما شأن بابه مرتفع ؟ قال : فعل قومك ليدخلوا من شاءوا [ويمنعوا من شاءوا] ، ولولا أن قومك [حديثو] عهد بجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم ذلك ، لنظرت أن أدخل الحجر في البيت ، ، وأن ألزق بابه بالأرض" .

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا سليم بن حيان ، قال : ثنا سعيد بن مينا ، قال : ثنا عبد الله بن الزبير ، قال : حدثتني عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - عليه السلام - [ ص: 390 ] قال : " لولا أن قومك [حديثو] عهد بالجاهلية ؛ لهدمت الكعبة وألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين : بابا شرقيا ، وبابا غربيا ، ولزدت ستة أذرع من الحجر في البيت ، ؛ إن قريشا استقصرته لما بنت البيت" .

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا عبد الله بن أبي بكر السهمي ، قال : ثنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن أبي قزعة ، أن عبد الملك بن مروان [ ، بينما هو يطوف بالبيت ، إذ قال قائل : عبد الله بن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين ] يقول : سمعتها وهي تقول : "إن رسول الله - عليه السلام - قال : يا عائشة ، لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر . فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة : : ( لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تقوله ، قال : وددت أني قد كنت سمعت هذا منك قبل أن أهدمه فتركته" .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر حديث عائشة هذا دليلا على كون الحجر من البيت .

                                                وأخرجه من أربع طرق صحاح :

                                                الأول : عن ربيع المؤذن . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : ثنا عبيد الله - يعني ابن موسى - قال : ثنا شيبان ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن يزيد ، عن عائشة - رضي الله عنها - [قالت] : "سألت رسول الله - عليه السلام - . . . " إلى آخره .

                                                قوله : "هو من البيت" أي الحجر من البيت ، وإنما لم يدخلوه في البيت ؛ لأنهم عجزوا عن النفقة ، ولم يقدروا على إدخاله في البيت ، وروي عن ابن الزبير أنه [ ص: 391 ] قال : أخبرتني عائشة أن رسول الله - عليه السلام - قال : "لولا حداثة قومك بالكفر لهدمت الكعبة ؛ فإنهم تركوا منها سبعة أذرع في الحجر ضاقت بهم النفقة والخشب" .

                                                قوله : "ما منعهم" أي ما منع قريشا أن يدخلوا الحجر في البيت حين بنوه ، وكان بين بناء قريش البيت وبين ما أنزل على النبي - عليه السلام - الوحي خمس سنين ، فيكون بنيانهم وعمر النبي - عليه السلام - خمسة وثلاثون سنة .

                                                وروى عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : "كان - يعني البيت - عرشا يقتحمه العنز ، حتى إذا كان قبل مبعث النبي - عليه السلام - بنته قريش" .

                                                وذكر عبد الرزاق أيضا : عن ابن جريج ، عن عطاء وابن المسيب وغيرهما "أن الله تعالى أوحى إلى آدم : إذا هبطت إلى الأرض أن ابن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بعرشي الذي في السماء . قال عطاء : فزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل : من حراء ، ومن طور سيناء ، ومن لبنان ، ومن الجودي ومن طور زيتا وكان ربضه من حراء ، فهذا بناء آدم ، ثم بناه إبراهيم - عليه السلام - " .

                                                وروى عبد المنعم بن إدريس ، عن وهب بن منبه قال : "أول من بنى الكعبة من الطين والحجارة شيث - عليه السلام - وكانت هناك صخرة لآدم - عليه السلام - وضعها الله - عز وجل - له من الجنة" ، وعن عبد الله بن عمرو قال : "لما أهبط الله تعالى آدم من الجنة قال : إني مهبط معك - أو منزل معك - بيتا يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي ، فلما كان زمن الطوفان رفع ، فكانت الأنبياء - عليهم السلام - يحجونه ولا يعلمون مكانه ، حتى بوأه الله لإبراهيم وأعلمه [ ص: 392 ] مكانه ، فبناه من خمسة أجبل : حراء ، وثبير ، ولبنان ، والطور ، وجبل الخمر" قال أبو جعفر : هو جبل بالشام ، وعن أبان : "أن البيت أهبط ياقوته أو درة واحدة" ، وقال عطاء : "أنزل الله ياقوتة من ياقوت الجنة ، فكانت على موضع البيت الآن ، فلما كان الطوفان رفع الله تلك الياقوتة حتى بعث الله إبراهيم - عليه السلام - لبنائه" ، وقال مجاهد : "كان موضع البيت على الماء قبل خلق السماوات والأرض مثل الزبدة البيضاء ومن تحته دحيت الأرض" . وقال أيضا : "خلق الله موضع البيت قبل أن يخلق شيئا في الأرض بألفي سنة وأركانه في الأرض السابعة" .

                                                وقال كعب الأحبار : "كان البيت غثاء على الماء قبل أن تخلق الأرض بأربعين سنة" وفي كتاب الأزرقي : جعل إبراهيم - عليه السلام - طول بناء الكعبة في السماء تسعة أذرع وطولها في الأرض ثلاثين ذراعا وعرضها في الأرض اثنين وعشرين ذراعا ، وكانت بغير سقف ، ولما بنتها قريش جعلوا طولها ثماني عشرة ذراعا في السماء ، ونقصوا من طولها في الأرض ستة أذرع وشبرا تركوها في الحجر ، ولما بناها ابن الزبير - رضي الله عنه - جعل طولها في السماء سبعا وعشرين ذراعا ، ولم يغير الحجاج طولها حين هدمها وهو إلى الآن .

                                                وفي "شرح المهذب" : بنته الملائكة قبل آدم ، وحجه آدم ، وفي "الروض" أول من بناه شيث - عليه السلام - وكان قبل أن يبنيه خيمة من ياقوتة حمراء ، وطوف بها آدم وتأنس بها ؛ لأنها أنزلت من الجنة .

                                                وقيل : إنه بني في أيام جرهم مرة أو مرتين ؛ لأن السيل كان قد صدع حائطه .

                                                وقيل : لم يكن بنيانا إنما كان إصلاحا لما وهن منه ، وبنى عامر بن الجادر جدارا بينه وبين السيل .

                                                الطريق الثاني : عن فهد بن سليمان ، عن الحسن بن الربيع بن سليمان الكوفي شيخ الجماعة غير الترمذي ، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الكوفي ، عن الأشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن يزيد .

                                                [ ص: 393 ] وأخرجه البخاري : ثنا مسدد ، نا أبو الأحوص ، نا الأشعث بن أبي الشعثاء ، عن الأسود بن يزيد ، عن عائشة قالت : "سألت النبي - عليه السلام - عن الجدار ، أمن البيت . . . " إلى آخره نحوه .

                                                وأخرجه مسلم : عن سعيد بن منصور ، عن أبي الأحوص ، عن الأشعث . . . إلى آخره نحوه .

                                                ومن فوائد هذا الحديث : أن الحجر من البيت ؛ ولهذا أجمع العلماء على أن الطواف من ورائه ، وإنما اختلفوا فيمن صلى فيه هل يجوز أم لا ؟

                                                ومنها ترك بعض الأمور التي يستصوب عملها إذا خيف تولد ما هو أضر من تركه واستئلاف الناس على الإيمان وتسهيل الأمور عليهم .

                                                الثالث : عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن سليم - بفتح السين وكسر اللام - ابن حيان - بفتح الحاء المهملة وتشديد الياء آخر الحروف - الهذلي البصري ، عن سعيد بن مينا - بكسر الميم وبالمد والقصر - المكي ، عن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني محمد بن حاتم ، قال : حدثني ابن مهدي ، قال : ثنا سليم بن حيان ، عن سعيد - يعني ابن مينا - قال : سمعت عبد الله بن الزبير يقول : حدثتني خالتي - يعني عائشة - رضي الله عنها - قالت : "قال النبي - عليه السلام - : يا عائشة ، لولا أن قومك [حديثو] عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض ، وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا ، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر ، فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة" .

                                                [ ص: 394 ] الرابع : عن أبي بكرة أيضا ، عن عبد الله بن بكر السهمي شيخ أحمد ، روى له الجماعة ، عن حاتم بن أبي صغيرة هو حاتم بن مسلم بن يونس القشيري ، وأبو صغيرة أبو أمه وقيل : زوج أمه ، روى له الجماعة ، عن أبي قزعة سويد بن حجير الباهلي ، روى له الجماعة سوى البخاري .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني [محمد بن] حاتم ، قال : نا عبد الله بن بكر السهمي ، قال : نا حاتم بن أبي صغيرة ، عن أبي قزعة . . . إلى آخره نحوه .

                                                والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة - واسمه عمرو - بن المغيرة المخزومي القرشي المكي المعروف بالقباع ، وكان استعمله عبد الله بن الزبير على البصرة ، روى له مسلم ، والنسائي ولم يسمه ، وأبو داود في "المراسيل" .

                                                قوله : "قاتل الله" أي قتله ، وقيل : لعنه ، وقيل : عاداه ، وقد ترد هذه اللفظة ولا يراد بها وقوع الأمر ، ومنه حديث عمر - رضي الله عنه - : "قاتل الله سمرة " . والظاهر أن قول عبد الله بن مروان من هذا القبيل .

                                                قوله : "لولا حدثان قومك" حدثان الشيء - بكسر الحاء وسكون الدال - أوله ، وهو مصدر حدث يحدث حدوثا وحدثانا ، والمراد به قرب عهدهم بالكفر والخروج منه والدخول في الإسلام ، وأنه لم يتمكن الدين في قلوبهم ، فلو هدمت الكعبة وغيرتها ربما نفروا من ذلك .




                                                الخدمات العلمية