الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3922 3923 [ ص: 473 ] ص: واحتج من ذهب أيضا في القارن أنه يطوف لعمرته وحجته طوافا واحدا بما حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا عثمان بن الهيثم ، قال : ثنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، أن جابر بن عبد الله يقول : "دخل النبي - عليه السلام - على عائشة وهي تبكي ، فقال : ما لك تبكين ؟ قالت : أبكي لأن الناس حلوا ولم أحلل ، وطافوا بالبيت ولم أطف ، وهذا الحج قد حضر كما ترى ، فقال : هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم ، فاغتسلي وأهلي بالحج ثم حجي واقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ، ولا تصلي ، قالت : ففعلت ذلك ، فلما طهرت قال : طوفي بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ، ثم قد حللت من حجك وعمرتك ، فقلت : يا رسول الله إني أجد في نفسي من عمرتي أني لم أكن طفت حتى حججت ، فأمر عبد الرحمن ، فأعمرها من التنعيم" .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - عليه السلام - مثله .

                                                قالوا : فقد أمرها النبي - عليه السلام - وهي محرمة بالعمرة والحجة أن تطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة ، ثم تحل ، فدل ذلك على أن حكم القارن في طوافه لحجته وعمرته هو كذلك ، وأنه طواف واحد لا شيء عليه من الطواف غيره .

                                                التالي السابق


                                                ش: احتج أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه أيضا بحديث جابر ، وهو ظاهر .

                                                قوله : "وقالوا" أي هؤلاء المحتجون بحديث جابر .

                                                وأخرجه من طريقين صحيحين :

                                                الأول : عن محمد بن خزيمة ، عن عثمان بن الهيثم بن جهم البصري شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن جريج المكي ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري .

                                                [ ص: 474 ] وأخرجه مسلم : حدثني محمد بن حاتم وعبد بن حميد - قال ابن حاتم : نا ، وقال عبد : أنا - محمد بن بكر ، قال : أنا ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : "دخل النبي - عليه السلام - على عائشة وهي تبكي . . . " الحديث .

                                                الثاني : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن الليث بن سعد ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم ، عن جابر .

                                                وأخرجه مسلم أيضا : ثنا قتيبة قال : ثنا الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر أنه قال : "أقبلنا مهلين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحج مفردا ، وأقبلت عائشة بعمرة ، حتى إذا كنا بسرف عركت ، حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة ، فأمرنا رسول الله - عليه السلام - أن يحل منا من لم يكن معه هدي ، قال : فقلنا : حل ماذا ؟ ! قال : الحل كله ، فواقعنا النساء ، وتطيبنا بالطيب ، ولبسنا ثيابنا ، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ، ثم أهللنا يوم التروية ، ثم دخل رسول الله - عليه السلام - على عائشة - رضي الله عنها - فوجدها تبكي ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت ، والناس يذهبون إلى الحج الآن ، فقال : إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم ، فاغتسلي ثم أهلي بالحج ، ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت وطافت بالكعبة والصفا والمروة ، ثم قال : قد حللت من حجك وعمرتك جميعا ، فقالت : يا رسول الله ، إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت ، قال : فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم ، وذلك ليلة الحصبة" .

                                                وأخرجه أبو داود والنسائي أيضا ، كلاهما عن قتيبة ، عن الليث نحوه .

                                                [ ص: 475 ] قوله : " هذا أمر كتبه الله على بنات آدم" . ظاهره العموم ، وهو يرد قول من قال : أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل . ويرد هذا أيضا ما قيل في قوله تعالى في قصة إبراهيم وهو جد بني إسرائيل وامرأته قائمة فضحكت قال أهل التفسير : أي حاضت ، وهو معروف في لغة العرب .

                                                قوله : "غير أن لا تطوفي بالبيت" دليل على منع الحائض - وإن انقطع دمها - من دخول المسجد . وفيه تنزيه المساجد عن الأقذار والحائض والجنب .

                                                قوله : "حتى إذا كنا بسرف" بفتح السين وكسر الراء المهملتين وفي آخره فاء ، وهو موضع من مكة على عشرة أميال .

                                                قوله : "عركت" بفتح العين والراء المهملتين ، أي حاضت ، والعارك الحائض .




                                                الخدمات العلمية