الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3984 3985 3986 3987 ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق (ح).

                                                وحدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون قال: "كنا وقوفا مع عمر -رضي الله عنه- بجمع ، فقال: إن أهل الجاهلية كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير، وإن رسول الله -عليه السلام- خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس".

                                                حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد (ح).

                                                وحدثنا فهد ، قال: ثنا أبو غسان، قالا: ثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون، قال: " كنا وقوفا مع عمر -رضي الله عنه- بجمع فقال: إن أهل الجاهلية كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، " ، وإن رسول الله -عليه السلام- خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس بقدر صلاة المسافر صلاة الصبح". . .

                                                فلما كان غير الضعفاء إنما يفيضون من مزدلفة قبل طلوع الشمس بهذه المدة اليسيرة؛ أمكن الضعفاء الذين تقدموهم إلى منى " أن يرموا الجمرة بعد طلوع الشمس قبل مجيء الآخرين إليهم، فلم يكن للرخصة للضعفاء أن يرموا قبل طلوع الشمس معنى؛ لأن الرخصة إنما تكون في مثل هذا للضرورة، وهذا لا ضرورة فيه، فثبت بذلك ما ذكرنا من حديث ابن عباس الذي رويناه في تأخير جمرة العقبة إلى طلوع الشمس. . .

                                                وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

                                                [ ص: 43 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 43 ] ش: هذه أربع طرق صحاح:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن شعبة بن الحجاج ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن عمرو بن ميمون الأودي الكوفي .

                                                وأخرجه البخاري: ثنا حجاج بن منهال، نا شعبة ، عن أبي إسحاق، سمعت عمرو بن ميمون يقول: "شهدت عمر -رضي الله عنه- صلى بجمع الصبح، ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون: أشرق ثبير، وإن النبي -عليه السلام- خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس".

                                                الثاني: عن يزيد بن سنان القزاز ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود: نا ابن كثير، قال: أنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون، قال: قال عمر بن الخطاب: "كان أهل الجاهلية لا يفيضون حتى يروا الشمس على ثبير، فخالفهم النبي -عليه السلام- فدفع قبل طلوع الشمس".

                                                الثالث: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن أسد بن موسى ، عن إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله ، عن عمرو بن ميمون ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو خالد الأحمر ، عن حجاج ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون، قال: "حججنا مع عمر بن الخطاب، فلما أردنا أن نفيض من المزدلفة قال: إن المشركين كانوا يقولون: أشرق

                                                [ ص: 44 ] ثبير كيما نغير، وكانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، فخالفهم رسول الله -عليه السلام- فأفاض قبل طلوع الشمس".


                                                الرابع: عن فهد بن سليمان ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري ، عن إسرائيل بن يونس ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون .

                                                وأخرجه الدارمي في "سننه": نا أبو غسان مالك بن إسماعيل، نا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عمر بن الخطاب قال: "كان أهل الجاهلية يفيضون من جمع بعد طلوع الشمس، وكانوا يقولون: أشرق ثبير، وإن رسول الله -عليه السلام- خالفهم فدفع قبل طلوع الشمس بقدر صلاة [المسفرين] . أو قال: المسفرين -بصلاة الغداة".

                                                وأخرجه الترمذي والنسائي وأحمد والبيهقي وأبو يعلى وغيرهم أيضا.

                                                قوله: "أشرق ثبير" أي: يا ثبير، حذف حرف النداء منه، وأشرق بفتح الهمزة من أشرق يشرق إشراقا، قال الهروي: معناه: ادخل أيها الجبل في الشروق، كما يقال: أجنب إذا دخل في الجنوب، وأشمل إذا دخل في الشمال، ويقال: إشرق بكسر الهمزة من شرق أو أضاء وفيه نظر؛ لأن شرق بفتح عين مضارعه يشرق بالضم والأمر منه لا يجيء إلا بضم الهمزة كما تقول في نصر ينصر انصر، فعلى هذا قول القائل ينبغي أن يقال: اشرق نحو انصر.

                                                و"ثبير" بفتح الثاء المثلثة وكسر الباء الموحدة بعدها الياء آخر الحروف وراء: هو

                                                [ ص: 45 ] جبل المزدلفة على يسار الذاهب إلى منى وقيل: هو أعظم جبال مكة، عرف برجل من هذيل كان اسمه ثبيرا دفن فيه، وذكر ياقوت أن بمكة سبعة جبال كل منها يسمى ثبيرا:

                                                الأول: أعظمها وأكبرها بينها وبين عرفة وهو المراد من قولهم: أشرق ثبير كيما نغير، قال الأصمعي: هو ثبير حراء. وقال البكري: ويقال له: ثبير الأثبرة.

                                                الثاني: ثبير الزنج؛ لأن الزنج كانوا يلعبون عنده.

                                                الثالث: ثبير الأعرج.

                                                الرابع: ثبير الخضراء.

                                                الخامس: ثبير النصع، وهو جبل المزدلفة على يسار الذاهب إلى منى.

                                                السادس: ثبير غيناء.

                                                السابع: ثبير الأحدب، قال البكري: بالإضافة، وحكى ابن الأنباري أنه على النعت، وقال الزمخشري: ثبيران جبلان يفترقان تصب بينهما أفاعيه وهي واد يصب من منى، يقال لأحدهما: ثبير غيناء، وللآخر ثبير الأعرج.

                                                قوله: "كيما نغير" أي ندفع ونفيض للنحر وغيره، وذلك من قولهم: أغار الفرس إغارة الثعلب، وذلك إذا دفع وأسرع في دفعه، وقال ابن الأثير: أي نذهب سريعا، يقال: أغار يغير إذا أسرع في العدو، وقيل: أراد نغير على لحوم الأضاحي من الإغارة النهب، وقيل: ندخل في الغور وهو المنخفض من الأرض على لغة من قال: أغار إذا أتى الغور.

                                                ثم هو بنصب الراء؛ لأن "أن" مقدرة بعد "كي"، ولا تظهر إلا في الضرورة، قال:


                                                فقالت أكل الناس أصبحت مانحا لسانك كيما أن تفر وتخدعا

                                                [ ص: 46 ] وكي تستعمل على ثلاثة أوجه:

                                                أحدهما: أن يكون اسما مختصرا من كيف، نحو قوله:

                                                كي تجنحون إلى سلم وما ثيرت

                                                أراد: كيف تجنحون فحذف الفاء.

                                                الثاني: أن تكون بمنزلة لام التعليل.

                                                الثالث: أن تكون بمنزلة "أن" المصدرية، معنى وعملا بخبر قوله تعالى: لكيلا تأسوا وعن الأخفش: أن "كي" جارة دائما، وأن النصب بعدها بـ "أن" ظاهرة أو مضمرة، وقد قال بعضهم: إن نغير ها هنا بسكون الراء؛ لأجل المناسبة لثبير.

                                                قلت: ثبير أصله بضم الراء؛ لأنه منادى مفرد معرفة، فيبنى على الضم، ولكن كأنهم سكنوه لأجل الوقت، فلما سكنوه سكنوا نغير أيضا إقامة للسجع في كلامهم؛ لأنه مطلوب عندهم.

                                                قوله: "فلما كان الضعفاء ... إلى آخره". من كلام الطحاوي .

                                                ...




                                                الخدمات العلمية