الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4000 ص: واحتج محمد بن الحسن في ذلك على أبي حنيفة بما حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، قال: أخبرني محمد بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي البداح ، عن عاصم بن عدي: " أن النبي -عليه السلام- رخص للرعاء أن يتعاقبوا، وكانوا يرمون غدوة يوم النحر، ويدعون ليلة ويوما، ثم يرموا في الغد". .

                                                ففي هذا الحديث أنهم كانوا يرمون غدوة يوم النحر، ثم يدعون يوما وليلة ثم يرمون من الغد، فقد كانوا يرمون رمي اليوم الثاني في اليوم الثالث، ولم يكن ذلك بموجب عليهم دما، ولا بموجب أن حكم اليوم الثالث في الرمي لليوم الثاني

                                                [ ص: 69 ] خلاف حكم اليوم الرابع، ففي ذلك دليل على أن من ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فذكرها في شيء من أيام التشريق أن يرمي ولا شيء عليه.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي احتج محمد بن الحسن الشيباني على أبي حنيفة في قوله: "إذا أخر رمي جمرة العقبة حتى أصبح من غد اليوم الثاني من النحر رماها ولكن عليه دم" بحديث عاصم بن عدي، فإنه يخبر أن الرعاء كانوا يرمون غدوة يوم النحر، ثم يتركون يوما وليلة ثم يرمون من الغد، فقد كان رميهم اليوم الثاني في اليوم الثالث ولم يكن ذلك يوجب عليهم دما، ففيه دليل على أنه ترك رمي جمرة العقبة في يوم النحر فذكرها في شيء من أيام التشريق أن يرميها ولا شيء عليه.

                                                ولقائل أن يقول: هذه رخصة للرعاء أن يجمعوا رمي يومين في يوم واحد، قدموا ذلك أو أخروه، وهذا يستلزم وجوب الدم في حق غيرهم إذا تركوا رمي جمرة العقبة إلى غد اليوم الثاني؛ لأن تأخير الرمي عن وقته بمنزلة تركه، ورمي جمرة العقبة يوم النحر نسك تام فكما أن تركه يوجب الدم، كذلك تأخيره عن وقته.

                                                ثم إنه أخرج حديث عاصم بن عدي بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد شيخ البخاري ، عن عبد الملك بن جريج ، عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد الأنصاري المدني قاضي المدينة أخي عبد الله بن أبي بكر، وكان أكبر من عبد الله، وثقه غير واحد، وروى له الشيخان وأبو داود وابن ماجه .

                                                عن أبيه أبي بكر بن محمد الأنصاري المدني، يقال: إن اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد، ويقال: اسمه وكنيته واحد، روى له الجماعة.

                                                عن أبي البداح -بفتح الباء الموحدة وتشديد الدال المهملة وفي آخره حاء مهملة- واسمه عدي بن عاصم بن عدي الأنصاري، ويقال: أبو البداح لقب عليه ويكنى أبا عمرو، وقال ابن سعد: كان ثقة. روى له الأربعة.

                                                [ ص: 70 ] عن عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان القضاعي شهد أحدا ولم يشهد بدرا، وكان رسول الله -عليه السلام- استعمله على أهل قباء وأهل العالية، وضرب له سهمه، فكان كمن شهدها، وأخرجه الأئمة الأربعة، وأخرجه البيهقي بإسناد الطحاوي من حديث ابن جريج، ثنا محمد بن أبي بكر ، عن أبيه، عن أبي البداح ، عن عاصم بن عدي: "أن النبي -عليه السلام- رخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر، ثم يدعوا يوما وليلة، ثم يرموا الغد".

                                                وقال أبو داود: ثنا ابن السرح، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم ، عن أبيه: "أن رسول الله -عليه السلام- أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة، يرمون [يوم] النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر".

                                                ثنا مسدد، قال: نا سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ومحمد ، عن أبيهما، عن أبي البداح بن عدي ، عن أبيه: "أن النبي -عليه السلام- أرخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما".

                                                وقال الترمذي: نا ابن أبي عمر، قال: ثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم [بن] عدي ، عن أبيه: "أن النبي -عليه السلام- أرخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما".

                                                [ ص: 71 ] قال أبو عيسى: هكذا رواه ابن عيينة، ورواه مالك: عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه، ورواية مالك أصح.

                                                وقال النسائي: أنا الحسن بن حريث ومحمد بن المثنى ، عن سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه، عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، عن أبيه: "أن النبي -عليه السلام- رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما".

                                                وأخرجه أيضا عن عمرو بن علي ، عن يحيى ، عن مالك ... إلى آخره نحو رواية أبي داود .

                                                وقال ابن ماجه: نا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الملك بن أبي بكر ، عن أبي البداح بن [عاصم] ، عن أبيه: "أن النبي -عليه السلام- رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما".

                                                وأخرجه عن محمد بن يحيى ، عن عبد الرزاق ، عن مالك أيضا، وعن أحمد بن سنان ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك .

                                                وأخرجه الحاكم في "مستدركه": ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ، نا محمد بن عبد الوهاب بن حبيب، نا خالد بن مخلد، ثنا مالك بن أنس .

                                                وأنا أبو عبد الله الصفار، نا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر .

                                                [ ص: 72 ] ونا أبو بكر بن إسحاق الفقية، نا بشر بن موسى، ثنا الحميدي ، عن سفيان ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه، عن أبي البداح بن عدي ، عن أبيه: "أن رسول الله -عليه السلام- رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما".

                                                هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

                                                وقال الترمذي أيضا: هذا حديث حسن صحيح.

                                                قوله: "للرعاء" بكسر الراء، جمع راعي الغنم، وقد يجمع على رعاء بالضم.

                                                قوله: "أن يتعاقبوا" أي بأن يتعاقبوا و"أن" مصدرية، والمعنى: رخص لهم بالتعاقب وهو التناوب بينهم في الرمي، وهو أن يرموا نوبة ويتركوه أخرى، وأصل التعقيب أن يعمل عمل ثم يعاد فيه.

                                                قوله: "يدعون" أي يتركون.

                                                قوله:"يرمون الغد وبعد الغد" في رواية أبي داود يعني الغد من يوم النحر.

                                                قوله: "ثم يرمون يوم النفر" يحتمل أن يريد ثاني أيام منى، يريد النفر الأول، وأراد به تفسير أحد اليومين اللذين يرمي لهما، ويكون فائدة قوله: "ثم يرمون ليوم النفر" أنه لا يجوز أن يرمي لليوم الثاني حتى يكمل رمي الأول، ويحتمل أن يريد بقوله: "ثم يرمون يوم النفر" اليوم الثالث لمن لم يتعجل.




                                                الخدمات العلمية