الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4000 ص: ثم النظر في ذلك يشهد لهذا القول أيضا، وذلك أنا رأينا أشياء تفعل في الحج الدهر كله، وقت لها منها السعي بين الصفا والمروة، ، وطواف الصدر ومنها أشياء تفعل في وقت خاص هو وقتها خاصة، منها رمي الجمار، وكان ما الدهر وقت له من هذه الأشياء متى فعل فلا شيء على فاعله مع فعله إياه من دم ولا غيره، وما كان منها له وقت خاص من الدهر إذا لم يفعل في وقته وجب على تاركه الدم، وكان ما كان منها يفعل لبقاء وقته فلا شيء على فاعله غير فعله إياه، وما كان منها لا يفعل لعدم وقته وجب مكانه الدم، وكانت جمرة العقبة إذا

                                                [ ص: 73 ] رميت من غد يوم النحر قضاء عن رمي يوم النحر فقد رميت في يوم هو من وقتها، ولولا ذلك لما أمر برميها كما لا يؤمر تاركها إلى بعد انقضاء أيام التشريق برميها بعد ذلك، فلما كان اليوم الثاني من أيام النحر هو وقت لها، وقد ذكرنا ما قد أجمعوا عليه أن ما فعل في وقته من أمور الحج فلا شيء على فاعله، كان كذلك هذا الرامي لما رماها في وقتها فلا شيء عليه.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي ثم النظر وهو القياس "في ذلك" أي الخلاف المذكور "يشهد لهذا القول" أي قول محمد في أن من أخر رمي جمرة العقبة إلى غد اليوم الثاني أنه يرميها ولا شيء عليه.

                                                قوله: "الدهر" مرفوع بالابتداء، وكله مرفوع لأنه تابع وخبره قوله: "وقت لها".

                                                قوله: "منها السعي بين الصفا والمروة" أراد أنه ليس له وقت مخصوص، فأي وقت فعله جاز، ولكن أجمعوا أن السنة الخروج إلى الصفا عند انقضاء الطواف وركعتيه.

                                                وفي "شرح الموطإ" للإشبيلي: ومن طاف فلا ينصرف إلى بيته حتى يسعى إلا من ضرورة يخاف فواتها أو يتعذر المصير لها ويرجو بالخروج ذهابها كالخوف على المنزل، وكره الخروج للمرض لأنه لا يذهب بالخروج، فإن فعل، فروي عن محمد عن مالك يبتدئ طوافه، والظاهر من المذهب أنه إن لم يبتد حين رجع فعليه دم.

                                                قلت: فهم من هذا أن السعي بين الصفا والمروة له وقت مخصوص عند مالك، ألا ترى كيف أوجب الدم إذا لم يبتدئه عقيب الطواف من غير ضرورة، ونوقش في كلام الطحاوي من وجه آخر، وهو أنه يفهم من كلامه أنه إذا سعى بين الصفا والمروة قبل طوافه بالبيت ينبغي أن يعتد به، لأنه ليس له وقت مخصوص، مع أنهم قالوا: لا يعتد به ويعيد بعد طوافه.

                                                [ ص: 74 ] قال أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن عطاء "في رجل بدأ بالصفا والمروة قبل البيت، قال: يعيد".

                                                قلت: هذا ليس بشيء؛ لأن ما ذكره من أن السعي بين الصفا والمروة ليس له وقت مخصوص معناه بعد حلول ابتداء أوانه لا يكون له وقت مخصوص بيوم، وأوان ابتدائه عقيب الطواف بالبيت، ثم بعد ذلك أي وقت كان يسعى فيه بينهما ولا يعين له وقت معلوم، على أنه إذا قدم السعي على الطواف ثم بعد ذلك أي وقت كان يسعى فيه بينهما أمسى عليه، قالوا: قد قضى ما عليه ولا شيء عليه.

                                                قال ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن جعفر ، عن أشعث، عن الحسن قال: "لا يعتد بالسعي بين الصفا والمروة قبل الطواف بالبيت، يطوف بالبيت ثم يطوف بين الصفا والمروة، فإن لم يفعل حتى يمسي قال: قد قضى ما عليه ولا شيء عليه".

                                                قوله: "وكان ما الدهر" أي وكان الشيء الذي الدهر وقت له.




                                                الخدمات العلمية