الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4039 ص: ثم رجعنا إلى النظر بين هذين الفريقين وبين أهل المقالة الأولى الذين ذهبوا إلى حديث عكاشة . -رضي الله عنه- فرأينا الرجل قبل أن يحرم حل له النساء والطيب واللباس والصيد والحلق وسائر الأشياء التي تحرم عليه بالإحرام، فإذا أحرم حرم عليه ذلك كله بسبب واحد وهو الإحرام؛ فاحتمل أن يكون كما حرمت عليه بسبب واحد أن يحل منها أيضا بسبب واحد، واحتمل أن يحل منها بأشياء مختلفة إحلالا بعد إحلال؛ فاعتبرنا ذلك، فرأيناهم قد أجمعوا أنه إذا رمى فقد حل له الحلق، هذا ما لا خلاف فيه بين المسلمين، وأجمعوا أن الجماع حرام عليه على حاله الأولى؛ فثبت أنه حل مما قد كان حرم عليه بسبب واحد بأسباب مختلفة؛ فبطلت بهذا العلة التي ذكرنا، فلما ثبت أن الحلق يحل له إذا رمى، وأنه مباح له بعد حلق رأسه أن يحلق ما يشاء من شعر بدنه ويقص أظفاره؛ أردنا أن ننظر حكم اللباس حكم ذلك أو حكمه حكم الجماع ولا يحل حتى يحل الجماع؟ فاعتبرنا ذلك فرأينا المحرم بالحج إذا جامع قبل أن يقف بعرفة فسد حجه، ورأيناه إذا حلق شعره أو قص أظفاره وجبت عليه في ذلك فدية ولم يفسد بذلك حجه، ورأيناه لو لبس ثيابا قبل وقوفه بعرفة ، لم يفسد عليه ذلك إحرامه ووجبت عليه في ذلك فدية؛ فكان حكم اللباس قبل عرفة مثل حكم قص الشعر والأظفار، لا مثل حكم الجماع، فالنظر على ذلك أن يكون حكمه أيضا بعد الرمي والحلق كحكمهما لا [كحكم] الجماع، فهذا هو النظر في ذلك.

                                                [ ص: 111 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 111 ] ش: أي ثم رجعنا إلى بيان وجه النظر والقياس بين هذين الفريقين، وهما الفريقان اللذان افترقا من أهل المقالة الثانية على فرقتين:

                                                فرقة قالوا: حكم الطيب للمحرم إذا رمى جمرة العقبة وحلق؛ حكم اللباس فيحل كما يحل اللباس.

                                                وفرقة قالوا: حكمه حكم الجماع لا يحل حتى يحل الجماع، وذلك بعد طواف الزيارة، وأراد أهل المقالة الأولى الذين قالوا: لا يحل اللباس والطيب حتى تحل له النساء، وباقي الكلام ظاهر.

                                                قوله: "بسبب واحد بأسباب مختلفة" الباء في قوله: "بسبب واحد" تتعلق بقوله: "قد كان حرم عليه" والباء التي في قوله: "بأسباب" تتعلق بقوله: "حل" في قوله: "فثبت أنه حل".

                                                قوله: "فالنظر على ذلك ... إلى آخره" نتيجة ما ذكره من المقدمات.




                                                الخدمات العلمية