الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4132 4133 ص: والدليل على صحة هذا التأويل أيضا: أن حديث الحجاج بن عمرو قد ذكر عكرمة أنه حدثه ابن عباس وأبا هريرة فقالا: "صدق" فصار ذلك الحديث

                                                [ ص: 213 ] عن ابن عباس وعن أبي هريرة أيضا، وقد قال عبد الله بن عباس في المحصر ما قد وافق التأويل الذي صرفنا إليه حديث الحجاج ودل عليه:

                                                حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة: : وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم ثم قال: إذا أحصر الرجل بعث بالهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فصيام ثلاثة أيام، فإن عجل فحلق قبل أن يبلغ الهدي محله فعليه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، : صام ثلاثة أيام، أو يتصدق على ستة مساكين كل مسكين نصف صاع، والنسك شاة، فإذا أمن مما كان به فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فإن مضى على وجهه ذلك فعليه حجة، وإذا أخر العمرة إلى قابل فعليه حجة وعمرة فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج آخرها يوم عرفة، وسبعة إذا رجعتم قال: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير ، فقال: هذا قول ابن عباس، ، وعقد ثلاثين.

                                                حدثنا أبو شريح محمد بن زكريا بن يحيى ، قال: ثنا الفريابي ، قال: ثنا سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة: " ، أنه قال في قول الله -عز وجل- فإن أحصرتم قال: من حبس أو مرض، قال إبراهيم: : فحدثت به سعيد بن جبير ، فقال: هكذا قال ابن عباس".

                                                فهذا ابن عباس لم يجعله يحل من إحرامه بالإحصار حتى ينحر عنه الهدي، وقد روى عن النبي -عليه السلام- أنه قال: "من كسر أو عرج فقد حل". " .

                                                فدل ذلك أن معنى "فقد حل" [عنده أي] له أن يحل، على ما ذهبنا إليه في ذلك.

                                                [ ص: 214 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 214 ] ش: بيان هذا الكلام هو: أن حديث الحجاج بن عمرو كما ينسب إليه لكونه قد رواه، فكذلك ينسب إلى ابن عباس أيضا لكونه قد قال: "صدق" حين سأله عكرمة عن هذا الحديث بعد أن سمعه من الحجاج، فصار في الحقيقة بتصديقه إياه راويا لهذا الحديث كالحجاج، فإذا كان الأمر كذلك فقد قال ابن عباس في المحصر ما وافق التأويل المذكور في حديث الحجاج، فدل ذلك أن معنى "فقد حل": حل له أن يحل؛ لأنه لو لم يكن معناه هكذا عند ابن عباس في حديثه الذي رواه الحجاج؛ لم يقل بما قال ما يوافق التأويل المذكور.

                                                ثم إنه أخرج هذا من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن يزيد بن سنان القزاز ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم النخعي ، عن علقمة بن قيس .

                                                والكل رجال الصحيح ما خلا يزيد .

                                                الثاني: عن أبي شريح محمد بن زكريا بن يحيى بن صالح القضاعي ، عن محمد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم بن علقمة .

                                                وهؤلاء كلهم رجال الصحيح ما خلا أبا شريح .

                                                وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا أبو خالد الأحمر ، عن سليمان الأعمش ، عن إبراهيم، عن علقمة قال: "إذا أهل الرجل بالحج فأحصر فليبعث بهديه، فإن مضى جعله عمرة، وعليه الحج من قابل ولا هدي عليه، وإن هو أخر ذلك حتى يحج فعليه حجة وعمرة وما استيسر من الهدي، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج آخرها يوم عرفة".

                                                [ ص: 215 ] ثنا أبو خالد الأحمر ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال: سألني عن ذلك سعيد بن جبير فأخبرته فقال بيده هكذا أو عقد ثلاثين هكذا قال ابن عباس" .

                                                قوله: "وقد روى عن النبي -عليه السلام-" الواو فيه للحال، وإنما قال: روى يعني ابن عباس ، عن النبي -عليه السلام- باعتبار أنه صار راويا للحديث المذكور بتصديقه الحجاج بن عمرو كما ذكرنا.




                                                الخدمات العلمية