الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4350 4351 4352 ص: ثم قد روي عن علي -رضي الله عنه- دفع ذلك والتنبيه على فساده بمعنى لطيف حسن:

                                                حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال: حدثني الليث ، قال: حدثني معمر بن أبي حيية ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، قال: "تذاكر أصحاب رسول الله -عليه السلام- عند عمر -رضي الله عنه- العزل ، فاختلفوا فيه، فقال عمر: : قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم؟! إذ تناجى رجلان، فقال عمر : -رضي الله عنه- ما هذه المناجاة؟ قالا: إن اليهود تزعم أنها الموءودة

                                                [ ص: 393 ] الصغرى، فقال علي : -رضي الله عنه-: إنها لا تكون موءودة حتى تمر بالتارات السبع ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى آخر الآية".

                                                حدثنا صالح بن عبد الرحمن ، قال: ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، قال: ثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن معمر بن أبي حيية قال: سمعت عبيد بن رفاعة الأنصاري ، قال: "تذاكر أصحاب رسول الله -عليه السلام- العزل ... " ، ثم ذكر مثله وزاد: "تعجب عمر من قوله، وقال: جزاك الله خيرا".

                                                فأخبر علي -رضي الله عنه- أنه لا موءودة ، إلا ما قد نفخ فيه الروح قبل ذلك، وأما ما لم ينفخ فيه الروح فإنما هو موات غير موءودة. .

                                                وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا نظير ما قد ذكرنا عن علي -رضي الله عنه-:

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان ، قال: ثنا الأعمش ، عن أبي الوداك: " أن قوما سألوا ابن عباس عن العزل، ، فذكر مثل كلام علي سواء". .

                                                فهذا علي 5 وابن عباس -رضي الله عنهم- قد اجتمعا في هذا على ما ذكرنا، وتابع عليا على ما قال عمر -رضي الله عنه- ومن كان بحضرتهما من أصحاب رسول الله -عليه السلام-، ففي هذا دليل أن العزل غير مكروه من هذه الجهة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي ثم قد روي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- دفع ما روي عن جدامة بنت وهب والتنبيه على فساده؛ وذلك لأن عليا -رضي الله عنه- قد بين في حديثه أن الموءودة لا تكون إلا فيما نفخ فيه روح، وأما ما لم تنفخ فيه الروح فإنه في حكم الجماد والموات فلا تكون موءودة، وكذلك قال ابن عباس لما سئل عن العزل وكفى بواحد منهما حجة، فكيف إذا اجتمعا على قضية واحدة فإنه لا يعدل عنها، ولا سيما وقد تابع عليا عمر بن الخطاب على ما قاله علي، وكذلك من كان بحضرتهما من الصحابة، فصار ذلك كالإجماع على أن العزل غير مكروه من هذه الجهة.

                                                [ ص: 394 ] ثم إنه أخرج حديث علي -رضي الله عنه- من طريقين:

                                                الأول: عن روح بن الفرج القطان المصري ، عن يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي روى له مسلم وابن ماجه ، عن الليث بن سعد ، عن معمر بن أبي حيية - بياء مكررة آخر الحروف على صورة التصغير، ويقال: معمر بن أبي حية على صورة التكبير، وثقه يحيى وابن حبان، وروى له الترمذي حديثا واحدا عن سعيد بن المسيب ، عن عمر في الصوم في السفر.

                                                عن عبيد الله بن عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي المدني -ولد في زمن النبي -عليه السلام- وكان من فقهاء قريش، قال العجلي: مدني تابعي ثقة من كبار التابعين، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

                                                والثاني: عن صالح بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن يزيد المقرئ القصير شيخ البخاري ، عن عبد الله بن لهيعة البصري فيه مقال، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري روى له الجماعة، عن معمر بن أبي حيية ، عن عبيد الله بن رفاعة بن رافع الزرقي الأنصاري -ذكره في "الكمال" في الصحابة، وذكره ابن حبان في التابعين الثقات.

                                                قوله: "وأنتم أهل بدر". جملة حالية.

                                                قوله: "الأخيار". بالرفع؛ لأنه صفة للأهل في قوله: "أهل بدر" وهو جمع خير بتشديد الياء.

                                                قوله: "إذ تناجى رجلان". أي تساررا في الكلام، أراد أنهما تكلما فيما بينهما خفية.

                                                قوله: "حتى تمر بالتارات السبع" أراد بها الأحوال السبع، وهي أن تكون أولا نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم عظما، ثم لحما، ثم تنفخ فيه الروح، ثم يظهر في

                                                [ ص: 395 ] الوجود ويستهل، فلا تكون موءودة إلا بعد مرورها على هذه الأحوال السبع، ولقد بين الله تعالى هذه الأحوال في قوله: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين

                                                وأخرج حديث ابن عباس بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، عن سفيان الثوري ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي الوداك جبر بن نوف البكالي الكوفي .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث الحسين ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن عبد الملك الزراد ، عن مجاهد "سألنا ابن عباس [عن العزل] فقال: اذهبوا فسلوا الناس ثم ائتوني وأخبروني، فسألوا فأخبروه، فتلا هذه الآية: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين حتى [فرغ منها] ثم قال: كيف تكون من الموءودة حتى تمر على هذا الخلق".




                                                الخدمات العلمية