الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4370 ص: فلما انتفى المعنى الذي به كره العزل، ، وما ذكر من ذكر في ذلك أنه من الموءودة، وثبت عن رسول الله -عليه السلام- ما ذكرنا عنه من إباحته ثبت أن لا بأس بالعزل لمن أراده على الشرائط التي ذكرناها، وقد فصلناها في أول هذا الباب، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف 5 ومحمد ، -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بالمعنى الذي كره به العزل: أي بسببه العزل أنه هو الوأد الخفي، يعني لما انتفى هذا المعنى بالأحاديث المذكورة، وكذلك لما انتفى ما ذكر من ذكر في ذلك أبى في حكم العزل أنه من الموءودة، وأراد بمن ذكر: أهل المقالة الأولى، وهم: النخعي وسالم وطاوس وآخرون، وثبت عن رسول الله -عليه السلام- إباحة العزل بالأحاديث المذكورة، ثبت أن العزل لا بأس به، ولكن على الشرط الذي ذكره في أول الباب من وجه النظر، وهو أنه إذا كان العزل عن الحرة لا يباح إلا

                                                [ ص: 410 ] برضاها، وإن كان عن الأمة فله ذلك مطلقا. فإن قيل: الأحاديث المذكورة ليس فيها هذا القيد.

                                                قلت: روعي هذا القيد بحديث أخرجه ابن ماجه: نا الحسن بن خلال، نا إسحاق بن عيسى، نا ابن لهيعة، حدثني جعفر بن ربيعة ، عن الزهري ، عن المحرر بن أبي هريرة ، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -عليه السلام- أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها".

                                                فإن قيل: قال الدارقطني: تفرد به إسحاق بن عيسى الطباع ، عن ابن لهيعة ، عن جعفر ، عن الزهري ، عن المحرر ، عن أبيه، عن عمر، ووهم فيه.

                                                وخالف عبد الله بن وهب فرواه عن ابن لهيعة ، عن جعفر ، عن الزهري ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه، عن عمر، قال: ووهم أيضا، والصواب: مرسل، عن حمزة ، عن عمر ليس فيه عن أبيه.

                                                وقال أبو حاتم: ثنا أبو صالح كاتب الليث ، عن ابن لهيعة ، عن جعفر ، عن حمزة بن عبد الله ، عن أبيه، عن عمر، قال: وهو أصح، وهذا من مخاليط ابن لهيعة .

                                                وأخرجه البيهقي: من حديث إسحاق ، عن ابن لهيعة ، عن جعفر .. إلى آخره نحو رواية ابن ماجه .

                                                ورواه الفسوي في "تاريخه". وقال الذهبي: ولا أعرف إسحاق، والحديث ضعيف. وفي "سؤالات أبي داود": سمعت أبا عبد الله ... وذكر حديث ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة ، عن الزهري ، عن المحرر بن أبي هريرة ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها". فقال: ما أنكره.

                                                قلت: روى البيهقي: من حديث منصور ، عن إبراهيم قال: "تستأمر الحرة في العزل ولا تستأمر الأمة".

                                                [ ص: 411 ] وروى عن عبد الكريم الجزري ، عن عطاء ، عن ابن عباس مثله.

                                                وأخرج من حديث أبي معاوية ، عن أبي عرفجة الفائشي ، عن عطية، عن ابن عمر قال: "يعزل عن الأمة وتستأمر الحرة".

                                                وروى جعفر بن برقان عن عطاء في العزل قال: "عن الحرة برضاها".

                                                وأخرج أبو قرة السكسكي قال: ذكر ابن الصباح ، عن عطاء ، عن جابر: "أنهم كانوا يعزلون على عهد رسول الله -عليه السلام- إذا أذنت الحرة، وأما الأمة فيعزل عنها إن شاء" انتهى.

                                                وكفى في القيد المذكور حجة بما روي عن ابن عباس وابن عمر وجابر وعطاء وإبراهيم، ويقوى به الحديث المذكور أيضا.

                                                وهذا جابر -رضي الله عنه- ممن روي عنه إباحة العزل مطلقا، ثم روي عنه أنه قيده بإذن الحرة، فدل على أن كل ما روي من إباحة العزل فالمراد منه بالإذن في حق الحرة.

                                                ...




                                                الخدمات العلمية