الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4503 ص: فأما وجه هذا الباب من طريق النظر؛ فإنا قد رأينا الأمة جعل عليها في العدة نصف ما جعل على الحرة فكانت الأمة إذا كانت ممن لا تحيض كان عليها نصف عدة الحرة إذا كانت ممن لا تحيض وذلك شهر ونصف، فإذا كانت ممن تحيض جعل عليها -باتفاقهم- حيضتان وأريد بذلك نصف ما على الحرة.

                                                [ ص: 89 ] ولقد قال عمر -رضي الله عنه- بحضرة أصحاب رسول الله -عليه السلام-: "لو قدرت أن أجعلها حيضة ونصفا لفعلت" فلما كان ما على الأمة هو الحيض لا الأطهار وذلك نصف ما على الحرة ثبت أن ما على الحرة أيضا هو من جنس ما على الأمة وهو الحيض لا الأطهار، فثبت بذلك قول الذين ذهبوا في الأقراء إلى أنها الحيض، وانتفى قول مخالفيهم، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، -رحمهم الله-.

                                                التالي السابق


                                                ش: وجه النظر والقياس الذي ذكره قوي؛ لأن العدة على الأمة نصف عدة الحرة بلا نزاع، فإذا كانت الأمة آيسة تجعل عدتها شهرا ونصفا، وإذا كانت حائضا تجعل عدتها حيضتين، فإذا كان ما عليها من العدة هو الحيض وذلك نصف ما على الحرة، ثبت بالضرورة أن ما على الحرة هو من جنس ما على الأمة وهو الحيض لا الأطهار.

                                                قوله: "ولقد قال عمر -رضي الله عنه-: ... " ذكر هذا تأكيدا لما قاله من وجوب العمل على الأمة على نصف ما يجب على [أطراف الحديث] الحرة، وبيانا للواجب على الأمة الاعتداد بالحيض لا بالطهر.

                                                ألا ترى كيف قال: "لو قدرت أن أجعلها حيضة ونصفا" أي أن أجعل عدة الأمة حيضة ونصف حيضة تحقيقا للتنصيف، ولكن لما لم تتجزأ الحيضة جعلت كاملة فصارت حيضتان، ألا ترى أنه لما أمكن التنصيف الحقيقي في الأشهر جعلت عدتها شهرا ونصفا لإمكان التجزيء فيه.

                                                ثم إن الطحاوي ذكر ما روي عن عمر -رضي الله عنه- معلقا ها هنا.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" مسندا: نا ابن عيينة ، عن عمرو [سمع عمرو بن أوس يقول]: أخبرني رجل من ثقيف يقول: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "لو استطعت أن أجعل عدة الأمة حيضة ونصفا فعلت".

                                                [ ص: 90 ] وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس، أن عمر -رضي الله عنه- قال: "لو استطعت أن أجعل عدة الأمة حيضة ونصفا لفعلت. فقال رجل: يا أمير المؤمنين فاجعلها شهرا ونصفا. فسكت".

                                                قلت: هذا الإسناد أصح من الأول؛ لأن في الأول مجهولا، فافهم.




                                                الخدمات العلمية