الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4654 4655 4656 ص: وقد رأينا مثل هذا قد جاءت به السنة.

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوحاظي، قال: ثنا سليمان بن بلال، قال: ثنا عبد الرحمن بن حبيب بن أردك ، أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول: أخبرني يوسف بن ماهك، أنه سمع أبا هريرة يحدث، عن النبي -عليه السلام- قال: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة". .

                                                [ ص: 276 ] حدثنا نصر بن مرزوق ، قال: ثنا الخصيب وأسد، قالا: ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الرحمن بن أردك ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن ماهك ، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي كثير الأنصاري ، عن حبيب بن أردك ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن ماهك ، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام-، مثله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد رأينا مثل ما ذكرنا من أن طلاق المكره واقع، جاءت به السنة عن النبي -عليه السلام-.

                                                وهي قوله -عليه السلام-: "ثلاث جدهن جد ... " الحديث، فإنه يدل على أن طلاق المكره واقع.

                                                بيان ذلك: أن طلاق الهازل لما وقع بالنظر إلى التلفظ به وإن لم يكن له قصد بذلك، فكذلك المكره يقع طلاقه لتلفظه به وإن لم يكن له قصد واختيار.

                                                ثم إنه أخرج الحديث المذكور من ثلاث طرق.

                                                الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي .

                                                عن يحيى بن صالح الوحاظي الشامي الدمشقي شيخ البخاري وأحد أصحاب أبي حنيفة .

                                                عن سليمان بن بلال القرشي المدني روى له الجماعة.

                                                عن عبد الرحمن بن حبيب أردك المدني، وثقه ابن حبان .

                                                عن عطاء بن أبي رباح المكي ، عن يوسف بن ماهك بن بهزاذ، روى له الجماعة.

                                                عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا قتيبة، قال: ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن [ ص: 277 ] أردك المديني ، عن عطاء ، عن ابن ماهك ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة".

                                                الثاني: عن نصر بن مرزوق ، عن الخصيب بن ناصح الحارثي ، وأسد بن موسى، كلاهما عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا القعنبي، قال: ثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن عبد الرحمن بن حبيب ... إلى آخره نحوه.

                                                الثالث: عن فهد بن سليمان ، عن علي بن معبد بن شداد العبدي ، عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني ، عن حبيب بن أردك ... إلى آخره.

                                                وإنما جاء في هذا الطريق: عن حبيب بن أردك؛ لأن عبد الرحمن بن حبيب بن أردك يقال فيه: حبيب بن عبد الرحمن بن أردك .

                                                وأخرجه أحمد بنحوه.

                                                وأخرجه ابن ماجه : عن هشام بن عمار ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن ابن أردك ... إلى آخره.

                                                فإن قلت: ما حال هذا الحديث؟

                                                قلت: حسن؛ قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي -عليه السلام- وغيرهم، وصححه الحاكم في "مستدركه" .

                                                فإن قلت: قال ابن الجوزي في كتابه "التحقيق": عطاء الذي في سند هذا الحديث هو ابن عجلان، وهو متروك الحديث، وقال ابن حزم: هذا من الأخبار الموضوعة ورويناه من طريق عبد الرحمن بن حبيب بن أردك وهو منكر الحديث مجهول؛ لأن قوما قالوا: عبد الرحمن بن حبيب متفق على ضعف روايته.

                                                [ ص: 278 ] قلت: قول ابن الجوزي غلط؛ لأن عطاء الذي في سند هذا الحديث هو ابن أبي رباح كما صرح به الطحاوي وأصحاب السنن في رواياتهم.

                                                وقول ابن حزم باطل؛ لأن الحديث أخرجه أبو داود وسكت عنه، فهذا دليل رضاه به، والترمذي حسنه، وعبد الرحمن بن حبيب بن أردك وثقه ابن حبان والحاكم، وقال: هو من ثقات المدنيين، وذكره ابن خلفون أيضا في الثقات.

                                                قوله: "ثلاث" مبتدأ.

                                                وقوله: "جدهن" مبتدأ ثان. وخبره: "جد" والجملة خبر المبتدأ الأول، أي: ثلاثة أشياء جدهن وهزلهن سواء، حتى إذا عقد النكاح بالهزل وقع النكاح، وكذا إذا طلق هازلا وقع الطلاق، وكذا إذا راجع مطلقته هازلا.

                                                والجد -بكسر الجيم- ضد الهزل، يقال: جد يجد جدا.




                                                الخدمات العلمية