الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4667 4668 ص: حدثنا ربيع الجيزي، قال: نا أسد، (ح).

                                                وحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، ؛ قالا: ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سهل بن سعد الساعدي "أن عويمرا جاء إلى عاصم بن عدي، فقال: أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله، أتقتلونه؟ سل يا عاصم رسول الله -عليه السلام-؛ فجاء عاصم فسأل رسول الله -عليه السلام-، فكره رسول الله -عليه السلام- المسألة وعابها؛ فقال عويمر: : : والله لآتين النبي -عليه السلام-، فجاء وقد أنزل الله -عز وجل- خلاف قول عاصم، فسأل النبي -عليه السلام- فقال: قد أنزل الله -عز وجل- فيكم قرآنا، فدعاهما فتلاعنا، ثم قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، ففارقها وما أمره رسول الله -عليه السلام- بفراقها، فجرت السنة في المتلاعنين؛ فقال رسول الله -عليه السلام-: انظروا فإن جاءت به أحمر قصيرا مثل وحرة فلا أراه إلا وقد كذب عليها، إن جاءت به أسحم أعين ذا أليتين فلا أحسبه إلا وقد صدق عليها، قال: فجاءت به على الأمر المكروه". .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذان طريقان صحيحان:

                                                الأول: عن ربيع بن سليمان الجيزي الأعرج، شيخ أبي داود والنسائي ، عن أسد بن موسى ، عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي ذئب المدني ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-.

                                                وأخرجه البخاري : ثنا يحيى بن موسى، قال: أنا عبد الرزاق، أنا ابن جريج ، قال: أخبرني ابن شهاب ، عن الملاعنة، وعن السنة فيها عن حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة "أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله -عليه السلام-، فقال: [ ص: 299 ] يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله، أم كيف يفعل؟ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين، فقال النبي -عليه السلام-: قد قضى الله فيك وفي امرأتك، قال: فتلاعنا في المسجد وأنا شاهد، فلما فرغا قال: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله -عليه السلام- حتى فرغا من التلاعن، ففارقها عند النبي -عليه السلام- فقال: ذلك تفريق بين كل متلاعنين"، قال ابن جريج : قال ابن شهاب: فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين، وكانت حاملا، وكان ابنها يدعى لأمه، قال: ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له، قال ابن جريج ، عن ابن شهاب ، عن سهل بن سعد الساعدي في هذا الحديث أن النبي -عليه السلام- قال: إن جاءت به أحمر قصيرا كأنه وحرة، فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين، فلا أراه إلا قد صدق عليها، فجاءت به على المكروه من ذلك.

                                                وأخرجه البخاري أيضا: عن إسماعيل ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سهل بن سعد الساعدي .

                                                وأخرجه مسلم أيضا: عن يحيى بن يحيى ، عن مالك نحوه.

                                                وأخرجه أيضا : عن حرملة بن يحيى ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن سهل بن سعد .

                                                الثاني: عن ربيع بن سليمان المؤذن -صاحب الشافعي- عن خالد بن عبد الرحمن الخراساني ، عن محمد بن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سهل بن سعد الساعدي .

                                                وأخرجه أبو داود : عن عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سهل بن سعد .

                                                [ ص: 300 ] وعن عبد العزيز بن يحيى ، عن محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عباس بن سهل بن سعد ، عن أبيه مختصرا.

                                                وعن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن سهل بن سعد .

                                                وعن أحمد بن عمرو ، عن ابن وهب ، عن عياض بن عبد الله وغيره، عن ابن شهاب ، عن سهل بن سعد، وعن مسدد ، ووهب بن بيان ، وأحمد بن عمرو ، وعمرو بن عثمان كلهم، عن سفيان ، عن الزهري ، عن سهل .

                                                وعن سليمان بن داود ، عن فليح ، عن الزهري ، عن سهل .

                                                وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن عثمان العثماني ، عن إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سهل بن سعد .

                                                قوله: "إن عويمرا" هو عويمر بن أبيض العجلاني، ووقع في رواية أبي داود عويمر بن أشقر العجلاني ، وقال الطبري: هو عويمر بن الحارث .

                                                قوله: "جاء إلى عاصم بن عدي" بن الجد بن العجلان العجلاني القضاعي .

                                                قوله: "أرأيت رجلا" أي أخبرني عن رجل.

                                                قوله: "مثل وحرة" بفتح الواو والحاء المهملة والراء دويبة حمراء تلزق بالأرض، وقيل: هي الوزغة، وقيل: نوع من الوزغ يكون في الصحاري.

                                                قوله: "فلا أراه" بضم الهمزة، أي فلا أظنه.

                                                [ ص: 301 ] قوله: "أسحم" بالسين والحاء المهملتين، وهو الأسود كلون الغراب، يقال: ليل مظلم أسود أسحم، وللسحاب الأسود أسحم، وقال الشاعر: عفاه كل أسحم مستديم.

                                                قوله: "أعين" أي واسع العين، يقال: رجل أعين وامرأة عيناء، ويجمع على عين، وفي الحديث "إن في الجنة لمجتمعا للحور العين".

                                                وها هنا فوائد:

                                                الأول: أنه ذكر في هذا الحديث عويمرا، وفي حديث أنس بن مالك: هلال بن أمية، وفي حديث عبد الله بن عباس: لاعن بين العجلاني وامرأته، وفي حديث عبد الله بن مسعود: وكان رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله -عليه السلام- فلاعن امرأته.

                                                قال المهلب: الصحيح أن القاذف عويمر، والذي ذكر في حديث ابن عباس في قوله: "العجلاني" هو عويمر، وكذا في قول عبد الله بن مسعود: وكان رجلا.

                                                وهلال بن أمية خطأ وأظن غلطا من هشام بن حسان؛ وذلك لأنها قصة واحدة، والدليل على ذلك توقفه -عليه السلام- فيها حتى نزلت الآية الكريمة، ولو أنهما قصتان لم توقف عن الحكم في الثانية بما أنزل عليه في الأولى.

                                                قلت: كأنه تبع في هذا الكلام محمد بن جرير فإنه قال في "التهذيب": نستنكر قوله في الحديث هلال بن أمية، وإنما القاذف عويمر بن الحارث بن زيد بن الجد بن العجلان .

                                                وفيما قالاه نظر؛ لأن قصة هلال وقذفه زوجته بشريك ثابتة في "صحيح البخاري " في موضعين: الشهادات، والتفسير، وفي "صحيح مسلم" من حديث أنس بن مالك، وكذا ذكره الطحاوي في روايته عن أنس، وقول المهلب: وأظنه غلطا من هشام يرده كلام الترمذي، فإنه لما ذكر حديث هشام هذا قال: سألت محمدا عنه وقلت: روى عباد بن منصور هذا الحديث عن عكرمة عن ابن عباس مثل حديث هشام، وروى أيوب عن عكرمة: "أن هلال بن أمية" مرسلا، فأي الروايات [ ص: 302 ] أصح؟ فقال: حديث عكرمة عن ابن عباس هو محفوظ ورآه حديثا صحيحا، وحديث عباد هذا رواه أبو داود عن الحسن بن علي ، عن يزيد بن هارون ، عن عباد بن منصور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس: "جاء هلال بن أمية، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم، من أرضه عشاء، فوجد مع أهله رجلا فرأى بعينه وسمع بأذنه ... " الحديث.

                                                وقال أبو عمر: وروى جرير بن حازم ، عن أيوب عن عكرمة ، عن ابن عباس، قال: لما قذف هلال بن أمية امرأته قيل له: والله ليجلدنك رسول الله -عليه السلام- ثمانين، فقال: الله أعدل، وقد علم أني رأيت، فنزلت آية الملاعنة.

                                                وقال ابن التين: الصحيح أن هلالا لاعن قبل عويمر .

                                                وقال الماوردي في "الهادي": الأكثرون على أن قصة هلال أسبق من قصة عويمر .

                                                وفي "الشامل" لابن الصباغ: قصة هلال تبين أن الآية الكريمة نزلت فيه أولا.

                                                الثانية: في قوله: "كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها" وهي أنه تدل على أن الفرقة بين المتلاعنين لا تقع إلا بحكم حاكم؛ لأن فيه إخبارا بأنه ممسك لها بعد اللعان، إذ لو كانت الفرقة بين المتلاعنين وقعت قبل ذلك لاستحال. قوله: "كذبت عليها" وهو غير ممسك لها بحضرة سيدنا رسول الله -عليه السلام- ولم يكره.

                                                قال الجصاص: فدل على أن الفرقة لم تقع بنفس اللعان إذ غير جائز أن يقره رسول الله على الكذب ولا على استباحة نكاح قد بطل.

                                                الثالثة: "في قوله جرت السنة في المتلاعنين" تأوله أي نافع المالكي على استحباب إظهار الطلاق بعد اللعان؛ والجمهور على أن معناه حصول بنفس اللعان أو بحكم الحاكم على الاختلاف المذكور فيه.

                                                الرابعة: أن الملاعنة لا تكون إلا عند السلطان، وأنها ليست كالطلاق وهذا ما لا خلاف فيه، وكذلك لا خلاف أن اللعان لا يكون إلا في المسجد الجامع، واستحب جماعة أن يكون بعد العصر وفي أي وقت كان في المسجد الجامع أجزأ.




                                                الخدمات العلمية