الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5524 5525 5526 5527 5528 5529 ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة (ح).

                                                وحدثنا إبراهيم، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان (ح).

                                                وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان (ح).

                                                وحدثنا نصر بن مرزوق ، قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، قالوا جميعا: عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أن النبي -عليه السلام- قال: "كل بيعن فلا بيع بينهما حتى يتفرقا، أو يكون بيع خيار".

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال: ثنا عارم ، قال: ثنا حماد بن زيد ، قال: ثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر، وربما قال: أو يكون بيع خيار".

                                                حدثنا أبو بشر الرقي ، قال: ثنا شجاع ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كل بيعين بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون بيع خيار".

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه ست طرق صحاح:

                                                الأول: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- ... إلى آخره.

                                                [ ص: 401 ] وأخرجه النسائي : أنا عمر بن يزيد ، عن بهز بن أسد، ثنا شعبة، ثنا عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "كل بيعين فلا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار".

                                                وأخرجه بقية الجماعة أيضا .

                                                الثاني: عن ابن مرزوق أيضا، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود البصري شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر.

                                                وأخرجه البخاري : من حديث سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "كل بيعين لا بيع بينهما حتى يفترقا إلا بيع الخيار".

                                                الثالث: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار .

                                                وأخرجه النسائي أنا قتيبة بن سعيد، ثنا سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، عن النبي -عليه السلام- قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، أو يكون بيعهما عن خيار".

                                                الرابع: عن نصر بن مرزوق ، عن علي بن معبد بن شداد عن إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا يحيى بن يحيى ويحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر، قال يحيى: أنا، وقال الآخرون: ثنا إسماعيل بن جعفر ، عن عبد الله بن دينار، أنه [ ص: 402 ] سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله -عليه السلام-: كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار".

                                                الخامس: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عارم وهو أبو النعمان محمد بن الفضل السدوسي شيخ البخاري ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني، وعن نافع ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه البخاري : عن عارم ، عن حماد بن زيد ... إلى آخره نحوه سواء.

                                                السادس: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي ، عن حجاج بن الوليد بن قيس السكوني ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه النسائي : أنا عمرو بن علي، ثنا يحيى ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو يكون خيارا".

                                                قوله: "كل بيعين" كلام إضافي مبتدأ تضمن معنى الشرط؛ فلذلك فصلت الفاء في جوابه -أعني الخبر- وهو قوله: "فلا بيع بينهما"، والبيع صفة مشبهة وقد ذكرناه، و"حتى" ها هنا للغاية، بمعنى إلى والمعنى: كل متبايعين من الناس لا بيع بينهما حاصل إلى أن يتفرقا، إما بالأقوال أو بالأبدان على الاختلاف كما سنقرره إن شاء الله.

                                                قوله "أو يكون بيع خيار" عطف على قوله "حتى يتفرقا" والمعنى: كل بيعين [فلا بيع بينهما] حاصل إلا في صورتين: إحداهما عند التفرق إما بالأقوال وإما بالأبدان، والأخرى: عند وجود شرط الخيار لأحد المتبايعين، بأن يشترط أحدهما الخيار ثلاثة أيام أو نحوها، وإلى هذا المعنى ذهب أبو حنيفة وأصحابه والليث بن سعد والشافعي وأبو ثور وآخرون.

                                                [ ص: 403 ] وقالت طائفة: معنى هذا الكلام: أن يقول أحد المتبايعين بعد تمام البيع لصاحبه: اختر إنفاذ البيع أو فسخه، فإن اختار إمضاء البيع، تم البيع بينهما وإن لم يتفرقا، هذا قول الثوري والأوزاعي وسفيان بن عيينة وعبيد الله بن الحسن وإسحاق، وروي ذلك أيضا عن الشافعي، وكان أحمد بن حنبل يقول: هما بالخيار أبدا؛ قالا هذا القول أو لم يقولا حتى يتفرقا بأبدانهما من مكانهما.

                                                وفي "شرح الموطأ": معنى هذا الكلام على مذهب مالك: إلا أن يشترط الخيار مدة مقدرة فيقضى في ذلك بالواجب، فكأنه قال: لا خيار لهما بعد التفرق إلا في البيع الذي يشترط فيه الخيار، ومعناه على تأويل ابن حبيب: أن كل واحد منهما بالخيار في المجلس إلا بيع الخيار، وذلك أن يقول أحدهما اختر الإمضاء أو الرد، فيختار، فينقطع بذلك الخيار، فمعناه عندهم: أن عقد البيع على الخيار إلا أن يوقف على قطع الخيار بعده، والأول أظهر؛ لأن بيع الخيار إذا أطلق في الشرع فإنه يفهم منه إثبات الخيار لا قطعه، ومدة الخيار الثابت بالشرط مختلفة باختلاف المبيع بقدر ما يحتاج إليه من مدة النظر إلى المبيع والاختيار والسؤال عنه، مع سرعة استحالة المبيع وإبطائها، ففي "المدونة": هو في الدار الشهر ونحوه، وقال ابن الماجشون في "الواضحة": والشهرين قال مالك في "المدونة": في الرقيق الخمسة أيام والجمعة.

                                                وقال ابن القاسم: والعشرة الأيام. قال محمد: وأفسخه في الشهر، وروى ابن وهب أن مالكا أجازه في الشهر وأباه ابن القاسم وأشهب .

                                                وأما الدابة في "المدونة": يجوز أن يشترط ركوب اليوم وشبهه ولا بأس أن يشترط السير عليها البريد والبريدين ما لم يتباعد، وقال عبد الحق: يشترط الخيار في الدابة اليوم واليومين والثلاثة.

                                                وأما الفاكهة كالبطيخ والرمان والتفاح، فقال ابن القاسم في "المدونة": إن كان الناس ييسرون في مثل هذا نفعه من الخيار بقدر الحاجة، وقال عياض في قوله: "إلا بيع الخيار" وقوله: "أو يكون بيع خيار": هذا أصل في جواز بيع الخيار [ ص: 404 ] المطلق والمقيد، ولا خلاف فيه على الجملة، واختلف هل يجوز إذا أطلق وإذا قيد؟

                                                وهل البائع والمشتري سواء في اشتراطه؟ وهل له حد لا يتعدى أم لا حد له إلا ما ضرباه، أم حده مقدار ما تختبر فيه السلعة؟

                                                فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه لا حد له لا يتعدى، لكن يجوز أن يضرب لكل سلعة في الأصل مقدار ما تختبر فيه، فالثوب اليوم واليومين، والعبد إلى الجمعة، وروي عنه في ذلك شهر، والدابة تركب اليوم وشبهه الدار الشهر ونحوه، قال الداودي: وقيل الشهران والثلاثة، وحكى عنه الخطابي: في الضيعة السنة، قال بعض أصحابنا: وهذا قول مالك في "الموطأ" في حديث "البيعين بالخيار" ليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به، وأن هذا اللفظ راجع إلى قوله في آخر الحديث: "إلا بيع الخيار" وهو أولى ما يؤول على مالك لا سواه، قال أصحابنا: وهذا إذا كان خيارهما للاختبار، وإن كان خيارهم للشورى فمقدار ما يشاور فيه، وعلى هذا المعنى تترتب عند أصحابنا مدة الخيار في طولها وقصرها، وهذا يصح كله في المشتري، وأما خيار البائع فهو أيضا بمقدار ما يحتاج فيه الخيار في أخذ الرأي والمشاورة، فإن ضرب من الأجل أبعد مما تقدم بكثير فسخ عند مالك البيع، وأجاز الثوري اشتراط عشرة أيام في الخيار للمشتري، ولا يجوز اشتراطه للبائع، فإن شرطه فسد البيع، وأجاز الأوزاعي اشتراط الخيار شهرا وأكثر، وروي مثله لمالك، ونحوه قول ابن أبي ليلى والعنبري والحسن بن صالح وأبي يوسف ومحمد وإسحاق وأبي ثور وفقهاء أصحاب الحديث وداود: أن الشرط لازم إلى الوقت الذي شرطاه.

                                                وذهب أبو حنيفة والشافعي وزفر والأوزاعي في أحد قوليه إلى أن الخيار لا يعدو ثلاثة أيام، ولا يجوز الزيادة عليه، فإن زاد فسد البيع، وحجتهم حديث منقذ بن حبان، وحديث المصراة وفيها ذكر ثلاثة أيام.

                                                وقال الشافعي: ولولا ما جاء فيه ما زاد ساعة، وكذلك اختلفوا إذا أطلقا الخيار وتبايعا عليه ولم يسميا مدة، فعند مالك أن البيع جائز ويضرب للسلعة مقدار ما تختبر فيه كما لو ضرباه وبيناه.

                                                [ ص: 405 ] وقال إسحاق وأحمد: يجوز البيع ويلزم الشرط وله الخيار أبدا حتى يرد أو يأخذ.

                                                وقال ابن أبي ليلى والأوزاعي: البيع جائز والشرط باطل ويسقط الخيار.

                                                وقال أبو حنيفة وصاحباه والثوري والشافعي: البيع فاسد. قال أبو حنيفة: إلا أن يجيزه في الثلاث فيجوز، ولا يجوز بعد الثلاث، وقال صاحباه: يجوز متى أجازه، وقال الشافعي: لا يجوز وإن أجازه في الثلاث.

                                                وقال الطبري: البيع صحيح والثمن حال ويوقف، فإما أجاز في الحين أو رد.




                                                الخدمات العلمية