الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5197 5198 5199 ص: وقد حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم ، قال: أخبرني ابن أبي الزناد ، قال: حدثني عبد الرحمن بن الحارث ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنهما- قال: " خرج رسول الله -عليه السلام- إلى بدر، فلقي العدو، فلما هزمهم الله؛ اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستولت طائفة بالعسكر والنهب، فلما نفى الله - عز وجل - العدو ورجع الذين طلبوهم؛ قالوا: لنا النفل؛ نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم الله - عز وجل - وهزمهم، وقال الذين أحدقوا برسول الله -عليه السلام-: ما أنتم بأحق به منا، بل هو لنا؛ نحن أحدقنا برسول الله -عليه السلام-؛ لا ينال منه العدو غرة، وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: والله ما أنتم بأحق به منا؛ نحن حويناه واستوليناه. فأنزل الله تعالى: يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول إلى قوله: إن كنتم مؤمنين فقسمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم عن . بواء، أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- لم يفضل في ذلك الذين تولوا القتل على الآخرين؟

                                                فثبت بذلك أن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله صاحبه ما بجعل الإمام إياه له على ما فيه صلاح المسلمين من التحريض على قتال عدوهم.

                                                وقد حدثنا فهد ، قال: ثنا الحجاج بن منهال، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن بديل بن ميسرة العقيلي ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بلقين ، قال: "أتيت النبي -عليه السلام- وهو بوادي القرى، ، فقلت: يا رسول الله، لمن المغنم؟ قال: لله سهم، ، ولهؤلاء أربعة أسهم. قلت: فهل أحد أحق بشيء من المغنم من أحد؟ قال: لا، حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس بأحق به من أخيه".

                                                [ ص: 263 ] حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا يوسف بن عدي ، قال: ثنا عبد الله بن المبارك ، عن خالد الحذاء ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بلقين ، عن رسول -عليه السلام- مثله.

                                                أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- جعل الغنيمة خمسا منها لله تعالى وأربعة أخماسه لأصحابه، وبين في ذلك فقال: حتى لو أن أحدكم رمي بسهم في جنبه فنزعه لم يكن أحق به؟ فدل ذلك أن كل ما تولاه الرجل في القتال وكل ما تولاه غيره ممن هو حاضر القتال أنهما فيه سواء.

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا أيضا شاهدا لصحة ما قاله أهل المقالة الثانية من أن القاتل لا يستحق سلب المقتول إلا بقول الإمام: من قتل قتيلا فله سلبه.

                                                وهذا كله كلام ظاهر.

                                                ثم إنه أخرج حديث عبادة بن الصامت بإسناد لا بأس به: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان - فيه مقال - عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي المدني، وثقه ابن حبان وابن سعد، وقال النسائي: ليس بالقوي. روى له الأربعة.

                                                عن سليمان بن موسى أبي أيوب الدمشقي الأشدق، قال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حديثه بعض الاضطراب، ولا أعلم أحدا من أصحاب مكحول أفقه منه ولا أثبت منه. وروى له مسلم في مقدمة كتابه، والأربعة.

                                                وهو يروي عن مكحول الشامي، روى له الأربعة البخاري في غير "الصحيح".

                                                عن أبي سلام الأسود، واسمه ممطور الحبشي، روى له الجماعة، البخاري في غير "الصحيح".

                                                عن أبي أمامة الباهلي الصحابي، واسمه صدي بن عجلان .

                                                عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-.

                                                [ ص: 264 ] وأخرجه الطبراني: ثنا أبو يزيد القراطيسي، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، حدثني عبد الرحمن بن الحارث ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول ، عن أبي سلام الباهلي ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن عبادة بن الصامت أنه قال: "خرج رسول الله -عليه السلام- إلى بدر فلقي العدو، فلما هزمهم الله تعالى اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله -عليه السلام-، واستولت طائفة بالعسكر والنهب، فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا: لنا النفل؛ نحن طلبنا العدو وبنا نفاهم الله وهزمهم، وقال الذين استولوا على العسكر والنهب: والله ما أنتم بأحق منا؛ نحن حويناه واستولينا عليه، فأنزل الله تعالى: يسألونك عن الأنفال إلى قوله: إن كنتم مؤمنين فقسمه رسول الله -عليه السلام- بينهم، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينفلهم إذا خرجوا بادين الربع، وينفلهم إذا قفلوا الثلث، وقال: أخذ [يوم] حنين وبرة من جنب بعير، فقال: يا - - - - - - ---أيها الناس--- - - - - - -، لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم فأدوا الخياط والمخيط، وإياكم والغلول فإنه عار على أهله يوم القيامة، وعليكم بالجهاد في سبيل الله فإنه باب من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم، قال: فكان رسول الله -عليه السلام- يكره الأنفال، وقال: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم".

                                                قوله: "خرج رسول الله -عليه السلام- إلى بدر" وكان خروجه -عليه السلام- إلى بدر في ليال مضت من شهر رمضان سنة ثنتين من الهجرة، وكانت الوقعة يوم الجمعة السابع عشر من رمضان، وكانت مدة غيبته -عليه السلام- تسعة عشر يوما.

                                                قوله: "غرة" أي: غفلة من اغتررت الرجل: إذا طلبت غرته: أي غفلته.

                                                قوله: "نحن حويناه" أي: جمعناه.

                                                قوله: "عن بواء" بالباء الموحدة المفتوحة، أي: عن سواء.

                                                [ ص: 265 ] وأخرج حديث رجل من بلقين من طريقين صحيحين:

                                                الأول: عن فهد بن سليمان ، عن الحجاج بن منهال الأنماطي شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن بديل بن ميسرة العقيلي البصري روى له الجماعة غير البخاري ، عن عبد الله بن شقيق العقيلي البصري روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح"، عن رجل من بلقين - بفتح الباء الموحدة وسكون اللام وفتح القاف وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره نون - يقال لبني القين من بني أسد: بلقين، كما يقال: بلحارث وبلهجيم، وهو من شواذ التخفيف، والنسبة إليه قيني، ولا يقال: بلقيني، والقين في اللغة: الحداد.

                                                وأخرجه أبو يعلى في "مسنده": ثنا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن سلمة ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بلقين قال: "أتيت رسول الله -عليه السلام- وهو بوادي القرى، فقلت: يا رسول الله بم أمرت؟ قال: أمرت أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة. قلت: يا رسول الله، من هؤلاء؟ قال: المغضوب عليهم يعني اليهود. قلت: من هؤلاء؟ قال: الضالين. قال: النصارى. قلت: فلمن المغنم يا رسول الله؟ قال: لله سهم ولهؤلاء أربعة أسهم. قلت: فهل أحد أحق من أحد؟ قال: لا، حتى السهم يأخذه أحدكم من جنبه فليس بأحق به من أحد".

                                                والثاني: عن محمد بن خزيمة ، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن حزم : من حديث عبد الله بن شقيق ، عن رجل من بلقين... إلى آخره نحوه.

                                                [ ص: 266 ] قوله: "بوادي القرى [.......].

                                                قوله: "لمن المغنم" المغنم بفتح الميم، والغنم بضم الغين، والغنيمة كلها سواء، وهو المال الذي يؤخذ من أهل الحرب وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب، يقال: غنمت أغنم غنما وغنيمة، وتجمع على مغانم، والغنيمة على غنائم، والغنم - بالضم -: الاسم، وبالفتح: المصدر، والغانم آخذ الغنيمة، والجمع الغانمون.

                                                ومما يستفاد من الحديث المذكور: أنه يدل على أن أحدا من الغزاة لا يختص بشيء من الغنيمة إلا بتعيين الإمام له من سلب المقتول، وأن الذي يتولى القتال والذي يحضره ولا يتولاه سواء.

                                                وقد شنع ابن حزم ها هنا وقال: هذا الحديث عن رجل مجهول لا يدرى أصدق في ادعائه الصحبة أم لا؟ ولئن سلمنا صحبته ليس لكم فيه حجة؛ لأن الخمس من جملة الغنيمة يستحقه دون أهل الغنيمة من لم يشهد الغنيمة بلا خلاف، وأيضا فهذا الحديث حجة عليكم؛ لأنكم تقولون: إن القاتل أحق بالسلب من غيره إذا قال الإمام: من قتل قتيلا فله سلبه.

                                                قلت: جهالة الصحابي لا تضر صحة الحديث، وطعنه بهذا ساقط. وقد أخرج الله الخمس من جملة الغنيمة وجعل له مصرفا معينا.

                                                وأما كون القاتل أحق بالسلب من غيره فبتخصيص الشارع له إياه، فيكون هذا أيضا خارجا عن جملة الغنيمة؛ إذ لو كانت من الغنيمة لتساوى فيها أهل الغنيمة كلهم، فافهم.




                                                الخدمات العلمية