الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                5224 ص: فلما لم يكن في شيء مما احتج به أهل المقالة الأولى لقولهم من الآثار ما يجب به ما قالوا، أردنا أن ننظر فيما احتج به أهل المقالة الأخرى لقولهم من الآثار أيضا، فنظرنا في ذلك.

                                                [ ص: 325 ] فإذا ابن أبي داود قد حدثنا، قال: حدثنا ابن أبي مريم ، قال: أنا ابن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -عليه السلام- أخذ يوم حنين وبرة من جنب بعير، ثم قال: يا - - - - - - ---أيها الناس--- - - - - - -، إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم، فأدوا الخيط والمخيط، وكان رسول الله -عليه السلام- يكره الأنفال، وقال: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم".

                                                أفلا ترى أن رسول الله -عليه السلام- قال: "لا يحل لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس"؟ فدل ذلك أن ما سوى الخمس من الغنائم للمقاتلة لا حكم للإمام في ذلك، ثم كره رسول الله -عليه السلام- الأنفال، وقال: "ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم"، أي: لا يفضل أحد من أقوياء المؤمنين مما أفاء الله عليهم لقوته على ضعيفهم لضعفه، ويستوون في ذلك، واستحال أيضا أن يكون رسول الله -عليه السلام- نفل من الأنفال ما كان يكره، فكان النفل الذي ليس بمكروه هو النفل من الخمس.

                                                فثبت بذلك أن ما كان رسول الله -عليه السلام- نفله ما رواه عبادة عنه في هذا الحديث هو من الخمس.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما انتفت صحة استدلال أهل المقالة الأولى بالأحاديث المذكورة لما ذهبوا إليه، ولم يكن لهم دليل فيها على الوجه المذكور.

                                                أشار إلى بيان ما احتجت به أهل المقالة الثانية من الأحاديث على وجه الصحة، فمنها حديث عبادة بن الصامت، أخرجه في هذا الباب عن قريب بعين هؤلاء الرواة عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سعيد بن أبي مريم شيخ البخاري ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد - بالنون - عبد الله بن ذكوان - فيه مقال - عن سليمان بن موسى ، عن مكحول الشامي ، عن أبي سلام ممطور الحبشي ، عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي الصحابي -رضي الله عنه-.

                                                [ ص: 326 ] وأخرجه النسائي: أخبرني عمرو بن يحيى بن الحارث، نا محبوب - يعني ابن موسى - [قال: أنبأنا أبو إسحاق - وهو الفزاري ، عن عبد الرحمن بن عياش ، عن سليمان بن موسى] عن مكحول ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة الباهلي ، عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنهما- قال: "أخذ رسول الله -عليه السلام- يوم حنين وبرة من جنب بعير، فقال: يا - - - - - - ---أيها الناس--- - - - - - -، إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس، والخمس مردود عليكم".

                                                وأخرجه أحمد بوجوه كثيرة، منها: ما رواه عن معاوية بن عمرو، ثنا أبو إسحاق - يعني الفزاري - عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن سليمان بن موسى ، عن مكحول ، عن أبي سلام ، عن أبي أمامة ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي -عليه السلام- قال: "أدوا الخيط والمخيط، وإياكم والغلول، وإنه عار على أهله يوم القيامة".

                                                قوله: "وبرة" بالفتحات، قال الجوهري: الوبر للبعير - بالتحريك - الواحدة وبرة.

                                                قوله: "مما أفاء الله عليكم من الفيء" وهو الغنيمة.

                                                قال الجوهري: الفيء: الخراج والغنيمة، تقول منه: أفاء الله على المسلمين مال الكفار يفيء إفاءة.

                                                قوله: "والمخيط" بكسر الميم: الإبرة، وفي رواية "أدوا الخياط والمخيط" الخياط هو الخيط.

                                                وهذا الحديث يدل على أن ما سوى الخمس من الغنائم للمقاتلة، ولا حكم للإمام فيه، فإذا كان كذلك فلا يجوز التنفيل منه، فافهم.




                                                الخدمات العلمية