الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6313 6314 6315 6316 6317 6318 6319 ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب أن مالكا حدثه، عن عمرو مولى المطلب ، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: " أن رسول الله -عليه السلام- طلع له أحد فقال: هذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إن إبراهيم حرم مكة، ، وإني أحرم ما بين لابتيها". .

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا القعنبي ، قال: ثنا عبد العزيز الدراوردي ، عن عمرو ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام- نحوه.

                                                [ ص: 71 ] حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا سعيد بن منصور ، قال: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن أنس ، عن رسول الله -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا أبو أمية ، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا الحسن بن صالح ، عن عاصم، قال: سألت أنسا -رضي الله عنه-: " أكان رسول الله -عليه السلام- حرم المدينة؟ ؟ فقال: نعم، هي حرام من لدن كذا إلى كذا".

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد ، عن عاصم الأحول ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا سليمان بن حرب ، قال: ثنا حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن أنس " أن النبي -عليه السلام- حرم المدينة ، ما بين كذا إلى كذا، لا يعضد شجرها".

                                                حدثنا أبو أمية ، قال: ثنا عبيد الله، قال: أنا شريك ، عن عاصم الأحول ، قال: سمعت أنسا يقول: عن النبي -عليه السلام- مثله، وزاد: " فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه سبع طرق.

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ... إلى آخره.

                                                وأخرجه مالك في "موطئه" .

                                                وأخرجه البخاري من حديث مالك .

                                                الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الله بن مسلمة القعنبي شيخ البخاري ومسلم وأبي داود ، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن أنس .

                                                [ ص: 72 ] وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا أحمد بن أبان القرشي، ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن أنس أن النبي -عليه السلام- قال: "أحد جبل يحبنا ونحبه".

                                                وقد روي هذا الحديث عن أنس من غير وجه.

                                                الثالث: عن محمد بن خزيمة ، عن سعيد بن منصور ، عن يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-.

                                                الرابع: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، عن عبيد الله بن موسى العبسي شيخ البخاري ، عن الحسن بن صالح الكوفي العابد ، عن عاصم الأحول ، عن أنس .

                                                وأخرجه مسلم: حدثني زهير بن حرب، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا عاصم الأحول قال: "سألت أنسا أحرم رسول الله -عليه السلام- المدينة؟ قال: نعم هي حرام، لا يختلى خلاها فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".

                                                الخامس: عن محمد بن خزيمة ، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن عاصم الأحول ، عن أنس .

                                                وأخرجه البيهقي من حديث عاصم ، عن أنس ... إلى آخره نحوه.

                                                السادس: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن سليمان بن حرب شيخ البخاري ، عن حماد بن زيد ، عن عاصم ، عن أنس ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه البخاري من حديث ثابت بن يزيد ، عن عاصم الأحول ، عن أنس أن النبي -عليه السلام- قال: "إن المدينة حرام من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، فمن أحدث فيها حدثا. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمين، لا يقبل منه صرف ولا عدل".

                                                [ ص: 73 ] السابع: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، عن عبيد الله بن موسى العبسي شيخ البخاري ، عن شريك بن عبد الله النخعي ، عن عاصم الأحول ، عن أنس .

                                                قوله: "طلع له أحد" أي ظهر له، كما تقول: طلعت الشمس، وأحد منصرف لكونه علما وقيل: غير منصرف، وهو الجبل المعروف بالمدينة، سمي بهذا الاسم لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هنالك.

                                                قال السهيلي: وفي أحد قبر هارون أخي موسى -عليهما السلام-، وفيه قبض ثم واراه موسى -عليه السلام-، وكانا قد مرا بأحد حاجين أو معتمرين.

                                                فإن قيل: ما معنى محبة أحد للنبي -عليه السلام-، ومحبة النبي -عليه السلام- إياه؟

                                                قلت: هذا مجاز أما من جهة أحد؛ فلأن معناه لو كان ممن يصح ويمكن فيه محبة كان يحبنا، وأما من جهة النبي -عليه السلام- فلأنه كان يفرح بأحد إذا طلع له؛ استبشارا بالمدينة ومن فيها من أهلها، ويحب النظر إليه لقربه من النزول إليه بأهله، والأوبة من سفره، فلهذا المعنى كان -عليه السلام- يحبه.

                                                وقال الإمام: قيل المراد يحبنا أهله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، كما في قوله تعالى: وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم أي حب العجل، وقال تعالى: واسأل القرية أي أهلها.

                                                قال القاضي: وقيل: يحتمل أن يكون حقيقة، وأن الله تعالى جعل فيه أو في بعضه إدراكا ومحبة، كما قيل في تسبيح الحصى، وحنين الجذع، وشبه ذلك، وتكون هذه من خوارق العادات وجملة الآيات.

                                                وقيل: يحتمل أن يكون المعنى: أن محبتنا له محبة من يعتقد أنه يحبنا.

                                                وقيل: يحتمل أن تكون المحبة هنا عبارة عن الانتفاع بمن يحبنا في الحماية والنصرة.

                                                [ ص: 74 ] وعندي جواب آخر مما فتح الله من الأنوار الإلهية والفيض الرحماني، وهو أن النبي -عليه السلام- كان يحب أحدا لكونه مقبرة لهارون -عليه السلام- كما ذكره السهيلي، أن هارون مدفون فيه، ومن العادة أن الناس يحبون البقع التي فيها قبور الأنبياء والصالحين، ولكونه أيضا مقبرة لعمه سيد الشهداء حمزة -رضي الله عنه-، وعم الرجل صنو أبيه، ولبقية الشهداء المدفونين هناك من أصحابه -عليه السلام-، ومن العادة أيضا أن الناس يحبون البقع والأراضي التي فيها قبور آبائهم وأقاربهم، ويؤثرون الترداد إليها لأجل اشتمالها عليهم.

                                                وأما محبة أحد إياه فيحتمل وجهين:

                                                الأول: أنه -عليه السلام- لما ذكر محبته إياه التي هي حقيقة، ذكر في مقابلها محبة أحد التي هي مجاز، ازدواجا للكلام ومجانسة للألفاظ، وهذا من فن بديع الكلام.

                                                الثاني: أن تكون محبته للنبي -عليه السلام- حقيقة بأن جعل الله فيه معنى من الإدراك يصير به موصوفا بالمحبة ليجازي من يحبه محبة منه، لأن من جزاء المحب أن يحب؛ لتصير المحبة على وجه الكمال. فافهم.

                                                قوله: "من لدن كذا إلى كذا" قد فسر ذلك في بعض الروايات باثني عشر ميلا، وفي بعضها بريدا في بريد، وفي أكثر الروايات: "من لابة إلى لابة" لأن المدينة مشتملة على اللابتين، وقد فسرناها.

                                                قوله "لا يعضد" أي لا يقطع، من العضد، وهو القطع.

                                                قوله: "من أحدث فيها حدثا" أي أتى إثما، والحدث: الأمر الحادث الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة.

                                                قوله: "فعليه لعنة الله. . ." إلى آخره وعيد شديد لمن فعل ذلك، ممن استحل حرمتها وأحدث فيها، وقد استدلوا لما جاءت به اللعنة أنه من الكبائر.




                                                الخدمات العلمية